فوائد من قوله تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ - جمعية الشام لرعاية الأيتام

فوائد من قوله تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ

فوائد من قوله تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ

18-08-2023

يقول الله -تعالى-: {..وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}  سورة البقرة(220).

 

بيّن القرآن بوضوح أهمية الحفاظ على هذه الشريحة من المجتمع الإسلامي، فقال الله تعالى: قال تعالى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }( البقرة: 220 )

 

وهذا السؤال من الصحابة رضي الله عنهم عن اليتامى وكيفية التعامل معهم؛ دليل عظم حرص الصحابة رضوان الله عليهم على أمور دنياهم واخرتهم وحرصهم على معرفة دقائق الأمور التي تتعلق بالتعاملات مع مجتمعهم بشكل عام وباليتامى بشكل خاص وخص السؤال هنا عن اليتامى والتعامل معهم  لما توعد الله به كل من يقرب أموال الأيتام بغير وجه حق قال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، في هذه الآية كأن الجواب أن النصح والاصلاح والارشاد والتعليم والتزكية والتربية لهم هو الخير والاحسان الحقيقي الذي يقدمه كل من يتعامل معهم وتبين الآية على جواز الاختلاط مع الأيتام لقوله سبحانه : {وإن تخالطوهم فإخوانكم} ولكن هذه المخالطة مقرونة بالإصلاح وعدم الافساد في تعاملهم معهم سواء في الأموال أو في التعامل فينبغي الابتعاد عن اكل أموال الأيتام بالباطل والابتعاد عن الغرر بالأيتام أو سحبهم لطرق الغواية والإفساد أو استغلال ضعفهم وحاجتهم بأخذ أموالهم أو انتهاك أعراضهم .

 

وسبب نزول الآية الإشكال الذي حصل لديهم لما أنزل قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً} النساء: 10. وقولَه تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} الأنعام: 152.

 

أشكل ذلك على الصحابة -رضي الله عنهم-، فصاروا يجعلون طعامهم على حدة، وطعام اليتامى على حدة؛ ثم ما جعلوه لليتامى إما أن يفسد، ولا يصلح للأكل؛ وإما أن يصلح للأكل، ولكن ليس على الوجه الأكمل؛ فتحرجوا من ذلك، وأشكل عليهم فيما لو خلطوا طعامهم بطعام اليتامى؛ فأجابهم الله -عزّ وجلّ- بجواب في غاية ما يكون من البلاغة، والاختصار، والوضوح؛ فقال تعالى: {قل إصلاح لهم خير}.

 

 عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لما أنزل الله -عز وجل-: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، و {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية.. انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله -عز وجل-: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم}؛ فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه".

 

المعنى الإجمالي: “ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى (كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟)

قل لهم: إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا، وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين.

وعلينا أن نراعي مصلحتهم.

والله يعلم المضيع لأموال اليتامى من الحريص على إصلاحها.

ولو شاء الله لضيَّق وشقَّ عليكم بتحريم المخالطة.

إن الله عزيز في ملكه، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.

 

قال ابن جرير: "أي تفضُّلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم من غير مَرْزِئة شيء من أموالهم، وغير أخذ عوض من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم خيرُ لكم عند الله وأعظمُ لكم أجرًا، لما لكم في ذلك من الأجر والثواب وخيرٌ لهم في أموالهم في عاجل دنياهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم.

 

فعلى الكافل أو المشرف أو المسؤول عن اليتامى أن يتبع ما هو أصلح لهم في جميع شؤونهم سواء كان ذلك في التربية، أو التعامل والنصح والإرشاد وفي الصرف عليهم وفي ادخار أموالهم وتشغيلها لهم ؛ فأيّ شيء يكون إصلاحاً لهم فهو خير كحال المرشد الحكيم المربي لأبنائه في حياتهم وتعاملاتهم .

 

 إن رعاية اليتيم لا تقتصر على حفظ ماله وإيداعه، إلى أن يصل إلى حد البلوغ ليسلم إليه؛ بل ينبغي تثميره وتنميته؛ رعايةً لحق اليتيم، فالأدلة الواردة في رعاية اليتامى والإحسان إليهم ثبت فيها أنه إذا كان الترك للتصرف بأموالهم فيه ضرر ومفسدة، حَرُم ذلك؛ لأنه إتلاف لها وإفساد، وهذا ما لا يريده الشرع الحنيف؛

 

لذا يُستحبُّ استثمار مال اليتيم وتنميته، عن طريق التجارة، أو الزراعة، أو أي تصرف يعود عليه بالنفع والنماء، شرط أن يكون المستثمر يجمع بين الامانة والدراية وحسن ادارة هذا المال وتنميته وهذا من التصرف الحسن الذي أقرَّه قول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152- الإسراء: 34]، وهو أيضًا من الإصلاح المذكور في قوله – تعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220]. وليعلم كل من يتاجر بأموال الأيتام بدون أن يكون صاحب دراية وأمانة وحسن إدارة وتدبير أنه أَثِم بإتلاف أي مال لهؤلاء الأيتام.

 

ويتقدم قائمة الإصلاح لهم تربيتهم وتعليمهم وتأهيلهم لمواجهة الحياة ومصاعبها وتبصيرهم بدينهم وواجبهم تجاه ربهم وربطهم بوطنهم وأهلهم والناس والمجتمع وحب الخير والسعي فيه.

وجميل بنا أن نؤمن لهم كل احتياجاتهم ونكون عونا لهم والأجمل أن نركز على تعليمهم ودراستهم وتأهيلهم.

إنَّ يتامى المسلمين يحتاجون إلى تضافر الجهود لتحقيق الرعاية التربوية والنفسية والاجتماعية لهم، فهل تكون الدور والجمعيات والمنظمات خير صديق لهم لتحقيق ذلك الهدف المنشود في تكوينهم وتنشئتهم ليصبحوا روّاداً في مجتمعاتهم.

هذا ما نتمناه وندعو إليه ونسعى إليه ليل نهار

خادم الأيتام ومحبهم / محمد شندي الراوي