أهمية الأمن الفكري والنفسي والاجتماعي لدى الأيتام - جمعية الشام لرعاية الأيتام

أهمية الأمن الفكري والنفسي والاجتماعي لدى الأيتام

أهمية الأمن الفكري والنفسي والاجتماعي لدى الأيتام

06-11-2023

أهمية الأمن الفكري والنفسي والاجتماعي لدى الأيتام

بحث مقدم لمؤتمر رعاية الأيتام تنظيم اتحاد الجمعيات والمبرات الخيرية في دولة الكويت الشقيقة لعام 2023 م

مقدمة:

حث الإسلام على رعاية الأيتام وعلى ضرورة الوقوف معهم ومدِّ يد العون لهم، ورتب على ذلك أجراً عظيماً، كما نال اليتيم مكانة متميزة في الشريعة الإسلامية، حيث اعتنى الإسلام بالأيتام عناية كبيرة، «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا»،

ويعد الإحساس بالأمان وتعزيز الأمن الفِكري والاستقرار النفسي والاجتماعي  له اهمية كبيرة في حياة الأيتام وأمهاتهم  وله الأثر الأول في نجاحهم في الحياة واستقراراهم وانطلاقهم كأفراد ناجحين ونافعين لمجتمعهم حيث ان تعزيز الإحساس بالأمان والاستقرار له اثر كبير على هدوء نفوسهِم، وراحة قلوبهم، وهدوء جوارحهم، والأمِنَ من الوقوع في التشرد والحاجة والفاقة واستغلال الاخرين (فكم من يتيم اصبح من كبار المجرمين بل من رؤساء العصابات العالمية نتيجة الحرمان والظلم الاجتماعي)أو أي مكروهٍ يهدده، أو ينتقص دينه، أو ينتهك حرمته، أو يستغله وللأسف الشديد يتعرض الأيتام في العالم لأسوء أنواع الاستغلال الجنسي ويكونون اداة لنشر الرزيلة والمخدرات لضعفهم وانشغال المجتمع عنهم، أو يفرض عليه ما يتعارض مع دينه وثقافته وأخلاقه.

وقد بيّن الله -عزّ وجلّ- دستورا للتعامل مع الأيتام ظهر فيه أهمية الاستقرار النفسي والاجتماعي والفكري والرحمة في التعامل معهم ليكنوا رواد المجتمع في قوله سبحانه: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ فأما اليتيم فلا تقهر )، فالآيات السابقة تشير إلى أهم أوجه رعاية اليتيم اجتماعياً ونفسيا وفكريا، وهي:

الإيواء والإرشاد والتوجيه وتقديم الدعم المادي والمعنوي وحسن التربية والتوجيه والحب والحنان لهم ليكون بذلك إنساناً صالحاً في المجتمع، وبذلك لا يُمكن أن ينشأ وحيداً ولن تتسبّب الوحدة في انحراف سلوكه عن باقي أفراد المجتمع الصالحين الذين نشأوا بوجود والدهم.

 

أولاًالتعريف لغة واصطلاحاً

 

الأمن لغة: الأمن ضد الخوف .. ويُقال أمن فلانُ يأمنُ أمناً وأماناً

هو سكون القلب واطمئنانه، قال ابن فارس: "الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان، أحدهما: الأمانة التي هي ضدّ الخيانة، ومعناها سُكون القلب، والآخر: التصديق.

وعلى هذا، فالأمن في اللُّغة: هو سكون القلب واطمئنانه بعدم وجود مكروه وتوقعه.

 

  الأمن في الاصطلاحعرفه الجرجاني بأنه: "عدم توقُّع مكروه في الزمان الآتي".

ويمكن تعريف الأمن بالنظر إلى مقاصد الشرع بأنَّه: "الحال التي يكون فيها الإنسان مطمئنًا في نفسه، مستقرًا في وطنه، سالمـًا من كل ما ينتقص دينه، أو عقله، أو عِرضه، أو ماله.

او هو “الراحة والهدوء النفسي والثقة والاحساس بعدم الخوف من أي خطر محدق أو أي ضرر محتمل على الشخص وممتلكاته”.

 

 الفكر في اللُّغةهو تردُّد القلب وتأمُّله. قال ابن فارس: "الفاء والكاف والراء، تردُّد القلب في الشيء. يُقال: تفكَّر إذا ردَّد قلبه معتبرًا. ورجلٌ فِكِّير، أي كثير الفِكر".

 

 الفِكر في الاصطلاح: قال الفيومي: "ويقال: الْفِكْرُ تَرْتِيبُ أُمُورٍ فِي الذِّهْنِ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَطْلُوبٍ، يَكُونُ عِلْمًا، أَوْ ظَنًّا".

 وعرّفه الزنيدي بقوله: "الفكر في المصطلح الفِكريّ والفلسفيّ خاصةً، هو: الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات، أي النظر، والتأمُّل، والتدبُّر، والاستنباط، والحكم، ونحو ذلك. وهو كذلك المعقولات نفسها، أي الموضوعات التي أنتجها العقل البشري".

 

الأمن النفسي في اللغة:

استخدم لفظ الأمن في اللغة بمعنى الاطمئنان ، فإنه يقال أمن آمن وأمان وآمنة، اذا اطمأن ولم يخف فهو الأمن، والبلد الأمن أو الأمين الذي اطمأن أهله

وكلمة الأمن وما يشتق منها وردت في القرآن الكريم في مواضع عديدة وذلك بمعنى السلامة والاطمئنان النفسي وانتفاء الخوف على حياة الانسان، أو ما تقوم به حياته من مصالح وأهداف وأسباب ومنها قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام: 82) .

 

اﻷﻣﻦ اﻟﻨﻔﺴـﻲ في الإصلاح: هو اﻟﺸـﻌﻮر ﺑﺎﻻﺳـﺘﻘﺮار، وﺿـﻤﺎن الوﺼـﻮل الامن للحاجيات واﻟﺮﻏﺒـﺎت، وﻋـﺪم ﺗﻮﻗـﻊ الاﻣـﺎن واﻷﺧﻄـﺎر، وﻫـﻮ ﺷﻌﻮر اﻟﻔﺮد ﺑﺘﻘﺒـﻞ اﻟـﺬات واﻵﺧـﺮﻳﻦ، واﻟﺘﺤـﺮر ﻣـﻦ الخوف واﻟـتردد، ووﺿـﻮح اﻷﻫـﺪاف، وﻋﻜـﺲ ذﻟـﻚ ﻳـﺆدي إلى ﻋﺪم اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻣﻦ اﻟﻨﻔﺴﻲ.

وعرف البعض بانه سكون النفس وطمأنينتها عند تعرضها لأزمة تحمل في ثناياها خطرة من الأخطار، كذلك شعور الفرد بالحماية من التعرض للأخطار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة به.

  

الأمن الاجتماعي في اللغة:

لغة، الاجتماع من الجمع، يُقال اجتمع القوم بمعنى تجمعوا في مكان ما، وهو ضد التفرق.

 

الأمن الاجتماعي في الاصطلاح:

هي سيادة علاقة اجتماعية بين البشر قائمة على التكافل والتضامن والمنفعة المتبادلة، خدمة لمصلحة جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرفية أو الجغرافية”.

عرفه البعض بأنه “الطمأنينة التي تنفي الخوف والفزع عن الإنسان فرداً أو جماعة في سائر ميادين العمران الدنيوي، بل وأيضاً في المعاد الأخروي فيما وراء هذه الحياة الدنيا”.

وعرفه آخر بأنه “الأمن الذي ينعم به مجموع الأفراد في مجتمع معين وهذا يشمل الاستقرار وعدم الخوف من ناحية وإشراك جميع أفراد المجتمع بهذا الشعور المطمئن من ناحية أخرى”.

 

ثانياً: أهمية رعاية الأيتام في المجتمع

وللأيتام أهمية كبيرة في المجتمع ، اذ ان عدم وجود الأمان النفسي والفكري لديهم يؤدي لانحرافات سلوكية وفكرية ونفسية وعقدية كبيرة لديهم  وبالتالي فإن مستقبل الأمة يتوقف على مدى الاهتمام بهذه الفئة الهامة من المجتمع، لان المرحلة التي يمرون بها مرحلة حرجة وضعيفة وسريعة التأقلم تتشكل فيها العادات وتنمو فيها الاستعدادات نتيجة تأثيراتها على مراحل النمو التالية لها وعلى سلوكهم وعلى صحتهم ونضجهم ، كما تعد مشكلة الإساءة للأيتام وما يمرون بها من معاناة وحرمان وعنف وإساءة من سب وشتم وضرب واغتصاب وسرقة، كلها تترك اثارا في نفوسهم وتحولهم لأفراد ناقمين وحاقدين على مجتمعهم ولقد حثنا الإسلام على الاهتمام بهذه الفئة بشكل خاص فواجب على المجتمع عامة وعلى  كل القائمين على رعاية الأيتام الاهتمام بهم، وذلك لأن نمو الأطفال السوي في هذه المرحلة يعتمد على الرعاية الكاملة لهم ، على المجتمع المسلم أن يتعاون في تأمين تلك المتطلّبات لينشأ اليتيم نشأةً سليمة.

 

ثالثاً: الأمن النفسي والفكري والاجتماعي الذي يحتاجه اليتيم وأسرته

لا شكَّ أنَّ الأمن النفسي والفِكري والاجتماعي للأيتام وأمهاتهم يُعدُّ حاجةً ضروريةً حتى تستقيم لهم الحياة

إذ إن الإحساس بالأمان هو اول ما يحتاجه اليتيم في حياته وهي النّعمة التي لا يمكن أن تستقيم الحياة بغيرها، ولذلك امتنَّ الله بهذه النّعمة على كفّار قريش حين قال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:3-4]، وقال تعالى أيضًا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}[العنكبوت:67]

 وجعل الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- مَنْ توفر له الأمن كمن حِيزتْ له الدنيا كلَّها، فقد أخرج الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِىّي عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِى جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).

 

الأمن الفِكري يتعلّق بالمحافظة على الدّين، الذي هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلاميّة بحمايتها والمحافظة عليها.

 

الأمن النفسي والاجتماعي للأيتام هو أنْ يعيشوا في مجتمع يحس بهم ويخفف من معاناتهم وألامهم ويمد لهم يد العون فيكونون آمنين مُطمئنين على حياتهم وفكرهم ومكتسباتهم.

 

الأمن الفكري هو سلامة فِكرهم وعقلهم وفهمهم من الانحراف والخروج عن الوسطيّة، والاعتدال، في فهمه للأمور الدينيّة، والسياسيّة، وتصوُّره للكون بما يؤول به إلى الغلو والتنطُّع، أو إلى الإلحاد والعلمنة الشاملة.

 

رابعاً: خطورة الإخلال بالأمن النفسي والفكري والاجتماعي للأيتام.

الإخلال بالأمن الفِكري للأيتام يؤدِّي بهم الى الوقوع في انحرافات سلوكية وعقدية وفكرية لذا كانت حمايتهم من اهل الاجرام والافساد ومن اهل الاهواء والانحراف ومن الافكار الخبيثة، كما أن تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي من اهم الأسباب التي تحفظهم وتحميهم من الايدي العابثة  لذا يعد تحقيق الامن لهم في هذه الجوانب الثلاث من اهم ما ينبغي ان يراعيه من يتصدى لرعايتهم وتربيتهم.

لا شكَّ أنَّ تربية الأيتام وحسن توجيههم والاستقرار النفسي والاجتماعي لهم من أسباب تحصينهم من الشرور والفساد، وحماية أفكارهم من المذاهب الهدّامة، والآراء الضالّة، والمناهج البعيدة عن الهدى، سواء كانت مناهج غلوٍّ وإفراط، كمذاهب التكفير، الذين فهموا شَرع الله على غير ما أنزل الله، فاستباحوا دماء المسلمين وأموالهم بِشُبَهٍ واهيةٍ، وآراءٍ خاطئةٍ، وتصوراتٍ سيئةٍ، أو مذاهب كُفرٍ وإلحادٍ ، فلا يؤمنون بالله ربًّا ولا بالإسلام دينًا ولا بمحمد بن عبد الله نبيًا ورسولًا، هُم كما قال الله تعالى: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية:24]

 

خامساً: ضوابط واليات للحفاظ على الأيتام من أي انحرافات فطرية وسلوكية

1- زرع محبة الله ورسوله في قلوب الأيتام ( غرس محبته صلى الله عليه وسلم في نفوس الأيتام فهو سيد الأيتام وقدوتهم ، فقد والده وهو في بطن امه وفقد والدته وعمره 6 سنوات) ومحبة الإسلام والمسلمين في قلوبهم ومحبة الخير والعمل الخيري وزرعه في نفوسهم واشغالهم به.

 

2- وجود نخبة من المربين تشرف على التوجيه والتربية يتابعونهم في امورهم مِنْ أهل العلم، فإنّ الله تعالى يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل:43]،

 

3- الحرص على التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد وهي من أسباب تحصينهم من الشرور والفساد، وحماية أفكارهم من المذاهب الهدّامة، والآراء الضالّة، والمناهج البعيدة عن الهُدى.

 

4- تكثيف البرامج التوجيهيَّة للأيتام، وزرع الثّقة في قلوبِهم الضعيفة.

 

5- وجود الرفقة الصالحة والقدوة الحسنة في حياتهم  ، وقد نهانا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن صُحبة ضِعاف القلوب.

 

6- العناية بفتح المجال للتعبير المتّزن عن الأفكار وحريّة التعبير في ضوء أحكام الشرع وضوابطه، وقد يكون منعهم مُتعذرًا في هذا الزَّمن، لأنَّهم قد يُمنعوا فتأتيهم ردَّة فعل تجعلهم يُصرُّون على ما سيطالعونه أو يسمعونه، ولكن الأسلوب التربوي يرجِّح أنْ يناقش الأب أو المربِّي ذلك الشاب ويبيِّن له أوجه الخطأ التي وقع بها.

 

7- الاهتمام بقضاء حوائج الأيتام، وتوفير الحلول المناسبة والعاجلة لمشاكلهم.

 

8- تحسين الأوضاع الأسريّة والتربويّة والاقتصاديّة التي تشكِّل ضغطًا نفسيًا هائلًا قد يؤدِّي بدرجة كبيرة لهذا النوع من الانحراف الفِكريّ أو ذاك (العدالة الاجتماعية).

 

9- تفعيل وإقامة انشطه ترفيهية وثقافية ومجتمعية ورياضية لهم بشكل دائم ودمجهم في مجتمعهم واملاء أوقات الفراغ لهم بالمفيد .

 

10- الاهتمام بنشر العلم الشرعيّ: إنَّ كثيرًا من أسباب الانحراف الفِكريّ، تعود إلى الجهل، فالجهل أساسٌ من أُسس الانحراف، ولقد أُمرنا بطلب العلم ونشره، لأنَّ العمل الصالح لا يكون إلاَّ بعلم، قال الله تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} والمراد بالعلم المأمور به في نصوص الشريعة: العلم الشرعيّ، علم الكتاب والسنّة.

 

11- نشر الوسطيّة والاعتدال: فالمسلمون هُم الأُمّة الوَسط، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[البقرة:143]، والصّراط المستقيم هو الوسطيّة التي هي سمة هذه الأُمة، فالله -عز وجل- علَّمنا أنْ ندعوه أنْ يرزقنا الهداية إلى الصراط المستقيم، ويسلمنا من الانحراف بعامة، يقول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:6-7].

 

12-  ربط الأيتام بعلماء الأمة: ذلك أنَّ نجاة النّاس منوطةٌ بوجود العُلماء، فإنْ يُقبض العُلماء يَهلكوا، فعن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالـمًا، اتخذ النّاس رؤوسًا جهّالًا، فسُئلوا، فأَفتوا بغير عِلم، فضَلُّوا وأَضَلُّوا(.

 

سادساً: أهمية رعاية الأيتام في جميع مجالات الحياة المختلفة
ينبغي ان يتم رعاية الأيتام في جميع المجلات التي يحتاجها اليتيم في الحياة حتى نحافظ عليه من الانحراف الفكري أو السلوكي أو العقدي او الخلل النفسي او الاجتماعي ولنرتقي بهم وبأدائهم ونكون سبباً في تميزهم وريادتهم:

 

1- الرعاية الدينيةغرس محبة الله ورسوله في قلوبهم وتخصيص برامج متنوعة لهم من دروس ايمانية وسلوكيه وفقهية وربط بالسيرة النبوية وسيرة الصحابة والآداب والاخلاق والسلوكيات الإسلامية، لما لذلك من أهمية بالغة في اتزان الشخص وطريقة تعاطيه مع الواقع والمحيط، فشرائع الإسلام لا يمكن أن تستقر في نفوسٍ مضطربة، وإنما أتي الخوارج المارقون من قبل أفهامهم لا من قبل عباداتهم؛ فالنفوس المستقرة التي أُشبعت فيها الحاجات، تكون أكثر قابليةً لتحمُّل أعباء التدين وأكثر قبولاً لأعمال القلب الإيمانية.

 

2- الرعاية التربويةالمتابعة والاشراف الدائم لسلوكياتهم، والحرص على بث القيم والمبادئ الإسلامية والوسطية وحثهم على التحلي بالأخلاق الفاضلة والبعد عن المحرمات و زرع حب الإحسان إلى الخلق في نفوسهم، والتشجيع المستمر على التعلم واشغال الوقت بالمفيد ، لتحصين النفس من الفرغ ومن الايدي العابثة التي تعيث فساداً

 

3- الرعاية النفسية: حيث لها الأثر الكبير على الصحة الجسدية والفكرية والاجتماعية ولأثرها في بناء الشخصية وتحسين الحالة النفسية والتعليمية والدينية.

 

4- الرعاية العاطفية: مهم جدا ان يروا منا الدعم العاطفي الكبير وإظهار هذا التعاطف والمودة معهم والاهتمام والتقبل والألفة والتشجيع والإشادة بالإنجازات، وإشعار الطفل واليافع بقيمته، ومساعدته على تفهم مشاعره، وإشعاره بتفهُّم من حوله لمشاعره، ومن خلال التوجيه والإرشاد الاجتماعي المبني على التواصل الداعم والتفهم وغرس التفاؤل والإصرار والعزيمة والإيجابية التي تركز على القوى الحية لدى الآخر والتمكين من إطلاقها من مكامنها.

 

5- الرعاية التعليمية: من خلال دفع رسوم التعليم وتأمين مستلزماته ودعم من يحتاج إلى تقوية مدرسية، وذلك إلى حين التمكين من العمل والاستقلال بالنفس، فالتعليم هو أهم أسباب التنمية المستدامة، وقد تبنت منظمة الأمم المتحدة له الشعار التالي: "التعليم يغير مجرى الحياة" باعتباره حقاً من حقوق الإنسان لا بدَّ من تأمينه له على مدى حياته وبمعايير جيّدة.

 

6- الرعاية الصحية: من خلال الوقاية بالفحوصات الطبية الدورية والتطعيمات اللازمة، ومن خلال علاج الحالات المرضية.

 

7- الرعاية المعيشية: من خلال تأمين الاحتياجات الفيزيولوجية الأساسية من طعامٍ وشرابٍ وكساءٍ في بيئة جيدة ومناسبة.

 

8- الرعاية الاجتماعية: من خلال تنظيم الأنشطة والفعاليات المتنوعة الداخلية والخارجية، لأهميتها في بناء الشخصية والتواصل والتفاعل مع المحيط، والتعرف على النفس والآخرين، وتعزيز الشعور بالأمان الداخلي ، والانفتاح العقلي وتعزيز الثقة بالنفس لأداء المهام المختلفة

 

9- الرعاية التوعوية والتثقيفيةللحماية من الاستغلال كالمخدرات، العنف، التحرش الجنسي، الانحلال الأخلاقي، الصحبة السيئة، التدخين والإعلام الضار بمختلف وسائله لا سيما التقنية منها

 

10- تنمية المواهب والقدرات: السعي لاكتشاف المواهب والمهارات الموجود لدى الأيتام في مختلف المجالات، وتعزيزها وتطويرها وتوفير البيئة المناسبة لها؛ فالموهبة بِذرةٌ مودعةٌ في أعماق الإنسان، تنمو وتثمرُ أو تذبل وتموت بحسب البيئة الثقافية والاجتماعية المحيطة، والموهوبون هم الطليعة التي غالباً ما تحمل لواء التطوير والتغيير في كل المجتمعات وفي كل مجالات الحياة.

 


الخاتمة:
رعاية الأيتام لا تقتصر على النواحي الغذائية فقط، بل يتسع معناها ليشمل احتضانه، وتعليمه، والاهتمام بصحته، وإعداده نفسياً، وتربوياً، ومهنياً لمواجهة المستقبل، والأخذ بيده نحو الفضيلة، وتقوية روحه وعقله، وزرع الأمل في نفسه، ومعاملته بصدق وإخلاص، والحرص على مستقبله وسلوكه، كما يحرص الأب على مستقبل أبنائه وسلوكهم.

وقد شدّد الإسلام على رعايتهم بالمودة والعاطفة الصادقة، تعويضاً لهم عن بعض ما افتقدوه، وتخفيفاً للمصيبة التي يعانونها وهم صغار، لم تقوَ أعوادُهم بعدُ على مجابهة الحياة وشدائدها، كما منع إيذاءهم والإضرار بهم، أو النظر إليهم نظرات قاسية؛ لأنهم إن تعودوا النظرات الجافية الموجعة، وعودُهم لا يزال غضّاً طرياً، تولّد في نفوسهم النفور من الناس، فيكبرون وقلوبهم ممتلئة حقداً على المجتمع؛ لأنهم عاشوا فيه منبوذين، فلا غرابة بعدئذٍ أن تتولّد في أنفسهم الجفوة والعداوة، بدلاً من الألفة والمحبة.

ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خيرُ بيت في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسَن إليه، وشرُّ بيت في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يساء إليه». رواه ابن ماجة.

وفي سبيل تحقيق هذا النوع من الرفق وتنفيذه رغَّب الإسلام في مخالطة اليتامى ومؤاكلتهم ودمجهم في المجتمع، ومبادلتهم المحبة، وإشعارهم بقرب الناس منهم. قال تعالى: «قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ».

وصلَّ الله على سيدنا محمدٍ وآلة وصحبهِ أجمعين.

 

إعداد: محمد شندي الراوي