الأمن النفسي للأيتام وأمهاتهم - جمعية الشام لرعاية الأيتام

الأمن النفسي للأيتام وأمهاتهم

الأمن النفسي للأيتام وأمهاتهم

28-10-2023

 

الأمن النفسي للأيتام وأمهاتهم

 

 يعد الأمن النفسي والاستقرار النفسي عامل أساسي في استقرار ونجاح وابداع المجتمعات بشكل عام والأيتام وامهاتهم بشكل خاص وتحويلهم الى شخصيات ناضجة ايجابية ومنتجة. كما ان الاضطرابات النفسية المتعددة سببه عدم الشعور بالأمن النفسي، فالأيتام وامهاتهم يكونون في حالة أمن متى ما كانوا مطمئنين على حياتهم ومكتسباتهم وصحتهم وعملهم ومستقبلهم وحقوقهم.

 

الشعور بالأمن النفسي حاجةٌ نفسيةُ دائمةٌ ومستمرة لمواجهة المخاطر والمخاوف التي تهدد الإنسان.  وينقسم الأمن النفسي إلى أمنٍ داخلي ينبعث من النفس، وأمن خارجي مصدره البيئة الخارجية، وهو من وسائل حماية الإنسان وسلامته من كل ما يهدد حياته بالخطر، كما أن تأثير الأمن الداخلي والخارجي على الفرد متبادل، غير أن الأمن الداخلي أعظم تأثيرَا من الأمن الخارجي، فكون الفرد في بيئةٍ آمنة لا يكفي إحساسه بالأمن النفسي؛ بل لابد من وجود أمن داخلي يجعله يتقبل ما يحيط به من أخطار ويزيد من إحساسه بالأمن النفسي.

 

يعتبر الأمن النفسي إحدى الحاجات المهمة للشخصية الإنسانية، حيث تمتد جذوره إلى طفولة المرء، وتُعد الأم المصدر الأول لشعور الطفل بالأمن، كما أن لخبرات الطفولة دورًا مُهمًا في شعور المرء بالأمن النفسي؛ فأمن المرء يصبح مهددًا في أي مرحلة من مراحل العمر إذا ما تعرض الفرد لضغوطٍ نفسيةٍ أو اجتماعيةٍ لا طاقة له بها، الأمر الذي قد يؤدي إلى الاضطراب النفسي

فالأمن النفسي حاجة أساسية موجودة عند كل الناس بدرجات متفاوتة وتعبّر عن شعور الفرد بانه قادر على البقاء في علاقات متزنة مع الآخرين، وهو حاجة كبيرة وماسة عند فئة الايتام وامهاتهم بسبب عقدة النقص الموجودة لديهم.

 

وفي مرحلتي المراهقة والرشد يبحث المرهقون عن الطمأنينة الاقتصادية والرضا الاجتماعي.

 

 ويعد الدين والتدين حلا كبير لعلاج المشاكل والإشكالات النفسية وتحقيق الصحة النفسية للأفراد بشكل عام ويعين على الاستقرار النفسي للأيتام وغيرهم

قال تعالى : (( اَلَّذ۪ينَ اٰمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّٰهِۜ اَلَا بِذِكْرِ اللّٰهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُۜ.)) «الرعد - الآية 28».

فالتدين الصحيح يخفف على النفس المخاوف الدنيوية والاخروية، كما يبعث في النفس التفاؤل، ويعمل على  نبذ التشاؤم واليأس والقنوط .

 

  ويعدُّ (وليم جيمس) الفيلسوف والعالم الأمريكي من العلماء الأُوَل الذين نادوا بأهمية الديـن في الصحـة النفسية حيث قـال ” ان أعظـم علاج للقـلق هو الايمان ”


فالدين ينظم العلاقة بين الانسان وربه ، والانسان والمجتمع ، والانسان ونفسه ، لذلك أصبح يشغل حيزاً كبيراً من حياتنا العلمية والفكرية والتربوية.


ويعدُّ الدين من أهم المصادر التي تعمل على تصحيح الاعتقاد المنحرف وتوجيهه في الطريق الصحيح ، وهذا الاعتقاد له آثاراً على معتنقيه واهم هذه الآثار اصلاح ظاهر الانسان وباطنه .


ويعدُّ الدين واقع اجتماعي متجذر لا يمكن اهماله وهو من اهم أسباب الاستقرار النفسي للمجتمع بشكل عام وللأيتام وامهاتهم بشكل خاص.


وقد تبين عبر التاريخ أثر الايمان بالله في شفاء النفس من أمراضها النفسية والعضوية وتحقيق الشعور بالأمن والطمأنينة والوقاية من الشعور بالقلق وما قد ينشأ عنه من أمراض نفسية .


إذ ان الايمان يحقق للمؤمن سكينة النفس وأمنها وطمأنينتها، لأن الايمان الصـادق بالله يمـده في الأمـل والرجـاء في عـون الله ورعايتـه وحمايته.

 

أهمية الأمن النفسي:
إن الحاجة للأمن النفسي من الحاجات الأساسية التي يُعد اشباعها مطلباً رئيساً للأيتام ، ويُعد حافزاً قوياً للسلوك يتشكل منذ الطفولة وفي مرحلة الشباب

ويعد الشباب اكثر الفئات احتياجا للأمن النفسي إذ ان كثرة العوامل والمؤثرات التي تحيط بهم من الداخل والخارج ، والتي تفقدهم الأمن النفسي وتجعلهم في حالة ماسة إلى ان يؤخذ بيدهم ويوجههم ويساعدهم على التكيف مع انفسهم ومع من حولهم .


وتعد الانحرافات نتيجة رئيسة من أسباب التشرد والعدوان وما هي الا أساليب دفاعية للتخلص من القلق والتوتر والشعور بالدونية التي يشعر بها الايتام في بيئته غير الآمنة


الأمن النفسي حاجة أساسية للأيتام في أي مرحلة من مراحل عمرهم وهي من مقومات الشخصية السوية، ولا بد من توفير الأمن لهم كي يستطيعوا أن يعيشوا متوافقين مع انفسهم ومع الآخرين ، قادرين على ممارسة دورهم في الحياة بفاعلية ونجاح

 

العوامل المؤثرة في الأمن النفسي :

هنالك العديد من الوسائل والأساليب والعوامل التي من خلالها يتحقق الأمن النفسي للفرد في مجتمعه، فالبعض يتحقق الأمن النفسي له من خلال عمل دائم يتقاضى فيه أجر معقول يسد حاجاته النفسية والأسرية، وآخر من خلال تأمين صحي، والبعض من خلال بناء بيتٍ وحرية التنقل والسفر والتجارة.


ان الشعور بالأمن النفسي حاجة يدخل في اشباعها عوامل عديدة منها :


1 - عوامل نفسية:
البيئة المحيطة تمثل أحد العوامل النفسية التي تؤثر في مشاعر الأمن والاطمئنان، والجو العاطفي للأسرة يعدُّ من أهم المصادر اللازمة في تحقيق الأمن النفسي،
فإهمال حاجات الشباب من الايتام وعدم اشباعها هي سبب بانحرافاتهم وتمردهم.

يرى العلماء بان الفرد الذي يعاني من عدم الشعور بالأمن يحاول ان يحمّل الآخرين مسؤولية ذلك، منكراً الواقع ومكوناً له نظاماً ومعنى بأسلوبه الخاص يمكنه من السيطرة عليه.

 

2 - عوامل اجتماعية:
إن شعور عوائل الايتام باهتمام المجتمع وتقديم العون لهم سبب لاستقرارهم النفسي وحصول الراحة والأمن لهم ، فأسرة العمل والانتماء الى المجتمع تزيد من الشعور بالأمن النفسي

 

3 - عوامل دينية وأخلاقية:
إن جوهر الأمن يتأثر بنظام المعتقدات والقيم والاتجاهات والاخلاقيات المشتركة في المجتمع ، وتشكل هذه العناصر بعض الجوانب الأساسية للأمن النفسي للإيتام وغيرهم، فالدين له الأثر الواضح في الشعور بالأمن ، إذ يساعد الفرد على الاستقرار، وإن التعاليم الدينية والقيم الروحية والاخلاقية تهدي الفرد الى السلوك السوي وتجنبه الوقوع في الخطأ والشعور بالذنب وعذاب الضمير التي تهدد أمنـه

 

يستمد الأمن النفسي في الإسلام معناه ومضمونه من أساسيات الدين فالإيمان بالله واليوم الآخر والحساب والقضاء والقدر والنظر إلى الدنيا على انها زائلة، كل هذه الثوابت التي يؤمن بها الإنسان المسلم تؤدي إلى أمنه النفسي وصقله بالاتزان والطمأنينة وتحرره من الاضطراب والقلق وتقوده إلى راحة البال وعدم الشك مصداقاً لقوله تعالى (وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم) «آل عمران 26».

إن للإيمان دوراً في شعور الفرد بالأمن، فالإيمان حين يبلغ مداه ويشرق على القلب سناه، ويسري في أعماق النفس مجراه تبدو آثاره المباركة على الفرد والجماعة، فالإيمان بالله يعد أعظم أسباب الأمن النفسي عكس ذلك الذين جحدوا الله فتراهم في خوف واضطراب، وقلق وكآبة وفزع، كما أن الإيمان ينمي الشعور بالانتماء للجماعة إذ حث القرآن الكريم على مد يد العون والمساعدة وبالتالي العيش في أمان والحض على العمل الجماعي.

 

ارتباط الأمن النفسي في الإسلام بمجموعة سمات منها:

 التوكل على الله والصبر عند الملمات ومواجهة مصاعب الحياة والصلاة. فالصلاة تنهى عن الفحشاء، والمنكر والصبر يؤدي بالمؤمن إلى راحة النفس، والتحرر من الخوف، ومجابهة الأمور، وعدم الهرب منها، فالصادق مع نفسه، ومع ربه، ومع الآخرين لا يشعر بالتوتر والقلق بل يحيا حياة آمنة.

 

ومن السمات الاخرى المطلوبة لتحقيق الأمن النفسي للإيتام، الرضا والقناعة، والأمل، يعتقد المؤمن بأن الله هو مدبر الكون، وأمره نافذ في خلقه تهدأ نفسه، ويشعر بالأمن النفسي، والاطمئنان، فالنفس المطمئنة، هي النفس المؤمنة، والتي يكون سلوكها ونهجها على ضوء القرآن الكريم فترقى في ظله رقيا شاملا يتمثل في تقوى الله.

 

ومن القيم التي ترفد الأمن النفسي لدى الفرد حسن الظن بالله، والتفاؤل وإذا ما اعتمد القلب على الله وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولم يتملكه الخيال السيئ ووثق بالله وطمع في فضله اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الاسقام، وحصل للقلب القوة، والانشراح والسرور والغبطة.

 

إن شعور الفرد بالرضا من أول أسباب السكينة النفسية التي هي سر السعادة، والمؤمن هو الذي يحس تلك الحالة النفسية، فالرضا نعمة روحية مبعثها الايمان بالله رب العالمين وحسن الظن به.

 

يتلخص المفهوم الإسلامي للأمن النفسي لدى الايتام بأنه يتضمن الايمان بالله والرضا بقضاء الله والاستقرار والتفاؤل والأمل وتقبل الذات والتحرر من المخاوف وبث حب الآخرين في النفس.

 

فالتدين عامل مهم في الوقاية من الاضطرابات النفسية وخير تأكيد لما تقدم قوله سبحانه وتعالى {آلا بذكر الله تطمئن القلوب}.

 

لم يترك المنهج الإسلاميُ الإنسانَ بشكل عام والأيتام بشكل خاص عُرْضَة للأمراض النفسية، بل أرشدهم إلى الأُسس التي تُحَقق لهم الأمن والأمان والاستقرار، كما أرشدهم إلى السُبُل التي من خلالها يستطيعون أن يُقَوِّوا هذا الجانب ويُنَمِّوه

 

إن ادراك الإسلام لطبيعة الإنسان جعلته يقرر ضرورة تنمية جميع جوانب شخصية الإنسان المادية والروحية على حدٍ سواء ، ونضجها وبشكل خاص الفئات الضعيفة في المجتمع ومنهم الايتام وامهاتهم، فتنمية الجانب المادي على حساب الجانب الروحي في الإنسان يؤدي إلى ان يسير الإنسان في مسارات مادية مظلمة قد تؤدي بحياة الإنسان وبقيمه وبأخلاقياته . ونرى ان الإسلام قد وفق بين هذين الجانبين توفيقاً منسجماً

 

ومن هنا نرى ان للاتجاهين الروحي والمادي معاً أثرهما الكبير في تكوين الشخصية السليمة والمتوافقة، ان على الإنسان ان يوازن بين القيم المادية والقيم الروحية ويعطي للروحية افضلية، لأن المسلم له تراثه الروحي الذي ينبع من الدين الإسلامي، من خلال ذلك يتضح ان للاتجاه الروحي والمادي والموازنة بينهما أهمية بالغة في تكيف الإنسان وتمتعه بصحة نفسية ، وان التطرف في احدهما يجعله بعيداً عن التمتع بهما .

 

إن الإنسان المتمتع بالصحة النفسية هو الذي يحقق التوازن بين الاتجاه الروحي والاتجاه المادي في شخصيته، أي بين أداء العبادات وأداء العمل وبين الروح الجماعية والفردية وبين المثالية والواقعية وبين الضمير والسلطة الخارجية وبين الإيثار والأنانية.

 

ترسيخ الاخلاق والقيم وروح التعاون والمحبة والتماسك من أجل خلق مجتمع ايماني وتحقيق التوازن في شخصية الايتام وامهاتهم.

 

وصلى اللهم على نبيبنا وحبيبنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم

 

اعداد: محمد شندي الراوي