ابن الجوزي - جمعية الشام لرعاية الأيتام

ابن الجوزي

ابن الجوزي

03-12-2018

قال عنه الحافظ ابن الدبيثي: "كان أحسن الناس كلامًا، وأتمهم نظامًا، وأعذبهم لسانًا، وأجودهم بيانًا، وبورك في عمره وعمله، فروى الكثير وسمع الناس منه أكثر من أربعين سنة".

إنه جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، المعروف بابن الجوزي، ذلك الشيخ العلامة المفسر المؤرخ شيخ الإسلام عالم العراق، الذي ولد بدرب حبيب في بغداد، ولد عام 511 هـ، وكان والده تاجر نحاس، وعاش ذلك العظيم في كنف والده يحوطه برعايته، وينفق عليه من ماله الكثير، إلى أن شاء الله أن يتوفى والده وله من العمر ثلاث سنين.

ولكن ذلك لم يؤثر في نشأته نشأة صالحة، بل كان باب خير فتحه الله له؛ "حيث أبدله الله عمته مربية مخلصة، تعطيه كل عطفها وعنايتها، وتسهر على خدمته وتعليمه، فهي التي حملته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر، فتلقى منه الرعاية التامة والتربية الحسنة، حتى أسمعه الحديث".

بل على العكس فقد جعلت عنده طموحًا عظيمًا، ربما ما بلغه لو كان والده على قيد الحياة، أو سار على نهج أبيه في تجارة النحاس، ذلك الطموح الذي يعبر عنه بقوله: "ينبغي للعاقل أن ينتهي لغاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض".

وهذا بالتحديد ما صعد إليه ذاك اليتيم العملاق، الإمام ابن الجوزي رحمه الله، فقد كتب بخطه كثيرًا من كتبه التي قاربت المائتين، وقد "كان ذا حظ عظيم، وصيت بعيد في الوعظ، يحضر مجالسه الملوك والوزراء، وبعض الخلفاء والأئمة والكبراء، لا يكاد المجلس ينقص عن ألوف كثيرة، حتى قيل في بعض مجالسه: إن حزر الجمع بمئة ألف".

قال عن نفسه: "كتبت بإصبعي هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرة ألف يهودي ونصراني".

وله عشرات المؤلفات في شتى جوانب العلم، فكتب في علم القراءات كتابه (المغني)، بينما سطر في أصول الفقه مؤلفه الشهير (منهاج الوصول إلى علم الأصول). وراح قلمه يرشف حبرًا من عبير الصحابة والتابعين والصالحين، ليسطر به سيرهم في كتب عديدة، ككتاب (صفة الصفوة)، و(مناقب أحمد)، و(مناقب إبراهيم بن أدهم)، و(منهاج الإصابة في محبة الصحابة).

ولم يقتصر على ذلك فقط، بل كان طبيب أبدان كما كان طبيب قلوب، فلقد ألف كتابه (المنافع في الطب)، فكان بذلك طبيب أبدان، وأبدع وتميز في كتب الوعظ التي ترقع بها القلوب وتطيب، ومنها كتابه (المواعظ)، و(ذم الهوى).

ولعل من أشهر كتبه، والذي تجلى فيه عظيم همته، هو كتاب (صيد الخاطر)، فقد كان في قصة تدوينه لفتة هامة، حيث يقول ابن الجوزي متأسفًا: "وكم قد خطر لي شيء، فأتشاغل عن إثباته فيذهب، فأتأسف عليه..

فجعلت هذا الكتاب قيدًا والله ولي النفع، إنه قريب مجيب"، فكان كلما خطر له خاطرة نفض غبار الكسل، وقام يسطرها.

لقد عاش ذلك اليتيم العملاق حياته لله تعالى، وأنشد حال احتضاره مخاطبًا ربه قائلًا:

يا كثيرَ العفوِ عمَّن *** كَثُرَ الذَّنبُّ لَدَيهِ

جاءَك الْمُذنِبُ يَرجو *** الصَّفحَ عن جُرمٍ لَدَيهِ

أنا ضيفٌ وجزاءُ *** الضيفِ إحسانٌ إليه