دور إيواء عوائل الأيتام:  مآلها إلى أين؟! - جمعية الشام لرعاية الأيتام

دور إيواء عوائل الأيتام:  مآلها إلى أين؟!

دور إيواء عوائل الأيتام:  مآلها إلى أين؟!

20-02-2025

دور إيواء عوائل الأيتام: إلى أين

لطالما شكلت قضية رعاية الأيتام محورًا أساسيًا في العمل الإنساني والخيري، وعلى مر السنين، تباينت الآراء حول أفضل السبل لضمان نشأة كريمة وآمنة لهذه الفئة الهشة، وانطلاقًا من قناعتنا الراسخة بأهمية توفير بيئة حاضنة وسليمة للأيتام وأمهاتهم، خضنا رحلة طويلة من العمل والتفكير العميق في هذا الملف الحساس، مرورًا بمرحلة التحفظ على فكرة دور الأيتام وصولًا إلى تأسيس نموذج يجمع بين الإيواء المؤقت والتمكين الشامل.


تحولات في الرؤية:

في بداية مسيرتنا في العمل مع الأيتام، وقبل تزايد التحديات الإنسانية الناتجة عن الأزمات، كانت رؤيتنا تميل إلى دمج الأيتام وأمهاتهم في النسيج المجتمعي، إيمانًا بقدرة المجتمع على توفير الدعم والرعاية اللازمين، ومع انطلاق الثورة السورية وتفاقم الأوضاع الإنسانية، بقينا متمسكين بهذا المبدأ، مؤكدين على أهمية بقاء الأيتام في محيطهم الطبيعي قدر الإمكان.


إلا أن الواقع المرير الذي واجهناه في سوريا ودول الجوار كانت سببا في تغير النظرة والتحول من الاحتضان المجتمعي إلى ضرورة التدخل المؤسسي المؤقت فقد وقفنا في غازي عنتاب في نهاية عام 2014، على ثلاثة قصص مؤلمة لأمهات الأيتام غيّرت هذه القناعة بشكل جذري، فقد كشفت لنا ثلاث حالات مأساوية لأمهات أيتام يكافحن من أجل توفير لقمة العيش في ظروف قاسية، عن هشاشة الوضع الاجتماعي وعدم قدرته في بعض الأحيان على حماية هذه الفئة المستضعفة.


على إثر ذلك، قمنا بتشكيل لجنة نسائية متخصصة لتقصي أوضاع الأيتام وأمهاتهم العاملات، وكشفت التحقيقات عن مستويات مقلقة من الاستغلال وسوء المعاملة من قبل بعض ضعاف النفوس الذين يستغلون حاجة هذه العائلات، لقد كانت هذه المواقف المؤلمة التي وقفنا عليها نتيجة عمل اللجنة من تعرض أمهات وايتام نتيجة الحاجة بمثابة نقطة تحول حاسمة، حيث أدركنا أن حماية هذه الفئة تتطلب في بعض الحالات تدخلًا مؤسسيًا منظمًا لحمايتهم من الأيدي العابثة.

 

الأيتام وعوائلهم بعد الثورة وقبل التحرير:


بناء على تقرير اللجنة تم اطلاق نموذج الإيواء لعوائل الايتام تجمع بين الايواء والتعليم والتمكين، استجابة لهذه الاحتياجات الملحة، اتخذنا قرارًا بإنشاء دور إيواء نموذجية لا تقتصر على توفير المأوى الآمن، بل تتعداه لتقديم منظومة متكاملة من الخدمات التعليمية، والتدريبية، والتأهيلية، والتمكينية لعوائل الأيتام الأكثر احتياجًا.


ركزت جهودنا الأولية على تشكيل لجنة نسائية متخصصة ومؤهلة لاختيار العائلات المستحقة وفق معايير شفافة وعادلة، تراعي في اختيارها الأحوج، ممن دفعهم الحاجة للعمل في أماكن لاتناسب جنسهن واعمارهن وقدراتهن، حيث تبين أن الأمهات الأميات اللاتي لا يملكن أي معيل هن الأكثر عرضة للخطر والحاجة.


أسس ومعايير العمل في الدور:


حرصنا منذ البداية على إرساء أسس قوية لعمل الدور، مستندين إلى أفضل الممارسات والمعايير المهنية في مجال العمل الخيري والإنساني، والتي شملت:

-  وضع أنظمة ولوائح داخلية واضحة تضمن سير العمل بكفاءة وشفافية وتحفظ حقوق المقيمين والعاملين.

-  الجمع بين الإيواء والتعليم والتمكين وتطوير برامج تعليمية شاملة تلبي احتياجات الأطفال في مختلف المراحل العمرية وتعويض فاقد التعليم بدورات تعينهم على العودة للصفوف الدراسية.

-  تقديم برامج تدريبية مهنية وتمكينية للأمهات تهدف إلى تطوير مهاراتهن وقدراتهن بما يساهم في تحقيق الاستقلال المادي والاعتماد على الذات.

-  تنظيم أنشطة وفعاليات متنوعة تساهم في التنمية النفسية والاجتماعية للأمهات والأطفال.

-  توفير بيئة آمنة وداعمة تولي اهتمامًا خاصًا بالجوانب النفسية والاجتماعية للمقيمين في الدور وتقديم الدعم اللازم لهم.

-  التركيز على بناء قدرات الكادر العامل من خلال توفير التدريب المستمر والتأهيل اللازم لضمان تقديم خدمات عالية الجودة.

-  اعتماد مبادئ الشفافية والمساءلة في جميع جوانب العمل.


نجاح التجربة وتوسع نطاقها:
بفضل الله، ثم بفضل الإدارة الحكيمة، واللوائح المنظمة، والبرامج المتنوعة، حققت الدور نتائج إيجابية ومميزة على صعيد تمكين الأمهات وتعليم الأطفال ورعايتهم وعودتهم للمدراس وحصول استقرار نفسي واجتماعي للأيتام وأمهاتهم. وقد ألهمت هذه التجربة الناجحة جهات أخرى، حيث تم نقل هذا النموذج وتطبيقه في عدة دول أخرى، مما يؤكد على فعاليته وأهميته.

 

الأيتام وعوائلهم بعد التحرير:


بعد التحرير نؤمن أن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة تهدف إلى عودة عوائل الأيتام، وأصبح الانتقال الى مرحلة جديدة أمر مهم وضروري وهي العودة إلى المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه بشكل منظم ومدروس، وينبغي ان يكون ذلك وفقط ضوابط وخطط معينة ومدروسة من خلال:


-  ان يكون انتقال العوائل من دور الإيواء الى البيوت بعد ترميمها وتامين موارد دخل لهذه العوائل.

 -  ان يتم تامين التحاق الأبناء بمدارس لإكمال دراستهم وعدم انقطاعهم عن الدراسة النظامية بعد خروجهم من الدور وتامين حياة كريمة لهم.

 -  وضع خطط فردية لكل عائلة بالتعاون مع الأمهات والأقارب لتحديد أفضل السبل لعودتهن الآمنة والمستدامة.

-  توفير الدعم اللازم لعملية الانتقال بما في ذلك الدعم المادي والمعنوي والتأهيلي للأمهات والأطفال.

-  تعزيز دور المجتمع المحلي في توفير شبكات الدعم والرعاية المستمرة لهذه العائلات.

-  التحول التدريجي لدور الإيواء ليقتصر دورها على الحالات الضرورية والطارئة التي لا تتوفر لها بدائل آمنة ومستدامة في المجتمع.

-  التركيز على برامج التوعية والتثقيف لتعزيز ثقافة الاحتضان والتكافل المجتمعي وحماية حقوق الأيتام.


أهمية الكادر النسائي المتخصص:
نؤكد بشكل خاص على الأهمية القصوى لتكوين كادر إداري وتعليمي ونفسي وتربوي نسائي مؤهل ومتخصص للتواصل المباشر مع الأمهات والبنات، ويجب أن يتوافر في هذا الكادر شروط محددة تتعلق بالكفاءة المهنية، والخبرة في التعامل مع هذه الفئة الحساسة، والقدرة على بناء علاقات ثقة وإيجابية مع الايتام وامهاتهم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي الفعال.


الخلاصة:
إن رحلتنا في خدمة الأيتام هي رحلة مستمرة من التعلم والتطوير. نؤمن بأن الهدف الأسمى هو تمكين هذه الفئة العزيزة وإعادة دمجها في المجتمع بشكل يحفظ كرامتها ويضمن مستقبلًا أفضل لها.

إن إغلاق دور الإيواء بشكل تدريجي ومدروس ليس هدفًا بحد ذاته، بل هو مؤشر على نجاحنا في بناء مجتمعات قادرة على احتضان ورعاية أفرادها الأكثر ضعفًا.

نسأل الله التوفيق والسداد والإعانة في تحقيق حياة أفضل للأيتام.


كتبه: محب الأيتام
محمد شندي الراوي