رحلتي وأطفالي مع السرطان واليتم - جمعية الشام لرعاية الأيتام

رحلتي وأطفالي مع السرطان واليتم

رحلتي وأطفالي مع السرطان واليتم

14-11-2018

حكايتي ليست من نسج الخيال، وليست قيل عن قال بل هي حكاية سورية، ككل الحكايات السورية بعد هذه الحرب.


أنا أم لثلاثة أطفال كنت أعيش في ظل أسرة سعيدة كأي أسرة تنعم بالمحبة بين أفرادها، ولكن نظل بشراً ولسنا ملائكة معرضين للقضاء والقدر, فاللحظات السعيدة لن تدوم طويلا ,لن أطيل الشرح – فأنا سيدة أبلغ من العمر 34 عاما، قضيت ثماني سنوات من ربيع العمر مع المرض الخبيث (السرطان)


بدأت معاناتي مع ازدياد المرض , وبدأت رحلة العلاج إلا انه حل شبح الحرب ومان من الضحايا زوجي حيث تم اعتقاله وفقدت جسر البيت.


حينها بدأ اليأس يتسلل إلى قلبي، وغيم الظلام على حياتي مرة أخرى، بدأت أفكر-- زوجي الذي اعتقل – ومرضي الذي سرقني من أطفالي وأهلي الذين نزحوا إلى مكان بعيد بسبب ظروف الحرب, هنا وجدت نفسي وحيدة يائسة، لم تكن المأساة هكذا فقط، بل وحتى أهل زوجي وضعوني أمام أصعب خيار في حياتي ..

 

إما أن يأخذوا أطفالي مني أو أسافر معهم خارج البلاد ,ظناً منهم بأنه عندما تسنح الفرصة لزوجي باللحاق بنا ستكون الأمور أسهل عليه , حتى إنهم أقنعوني بأن علاج مرضي خارج البلاد سيكون أفضل لي بعد انقطاع للعلاج دام عاماً كاملاً بسبب ظروف الحرب الطاحنة.


هنا أصبحت كالجثة البالية، كالشجرة في فصل الخريف أوراقها تتساقط واحدة تلو الأخرى , زوجي الغائب المفقود الذي لا أعرف عنه شيئاً و المرض الذي لم يرحمني , حينها وجدت أن الخيار الأفضل هو السفر مع أهل زوجي إلى تركيا , أملاً بأن يلحق بي زوجي و أن أتابع علاجي لأستعيد عافيتي رأفة بأطفالي الصغار الذين أصبحوا كالمركب التائه وسط عرض البحر,


وبعد وصولي لتركيا أخبرني شقيق زوجي بأنه لا يستطيع تحمل نفقاتنا، وأنني مريضة قد يباغتني الموت في أي لحظة‘ وهو غير قادر على تحمل كل هذا العبء , ماذا أفعل ؟؟ أين أذهب؟

 

حينها بدأت أنهار كليا , ولكن وجود أخي في تركيا اوجد عندي بصيص امل , اتصلت به ليأخذني أسكن عنده، ريثما يستطيع زوجي اللحاق بنا و فعلا أقمنا أنا و أطفالي فترة من الزمن، ولكن بدأت الأمور تتعقد، فقد طالت مدة غياب زوجي، ولا أخبار عنه إلا أن وردنا اتصال ذات ليلة يخبرنا بأن زوجي قد استشهد

 

حينها انهرت تماماً، ووقعت أرضاً وظننت أنني انتقلت إلى عالم آخر، ولكن بعد أن فتحت عيني وجدت نفسي ملقاة في المشفى أتلقى العلاج بعد تقدم مرحلة المرض، وبعد خروجي من المشفى بأسبوع بدأت الأمور في بيت أخي تتعقد، وبسبب المشاكل أصبحت تتدهور حالتي الصحية.

 

حيث أخذت زوجة أخي في اختلاق المشاكل، وبدأت تطالب أخي بإخراجنا من المنزل وإقناعه بأنه لا يستطيع تحمل مسؤوليتنا أكثر من ذلك، وبعد معاناة أطفالي في بيت أخي من قسوة في المعاملة وحرمان، وبعد مرور عام قررت حزم حقائبي أنا وأطفالي، وبعد خروجي من منزل ، وجدنا أنفسنا في الشارع تحت أمطار الشتاء ورياح البرد القاسية.

 

وفي منتصف الطريق اتصلت ابنتي بمعلم مدرستها تروي له ما حدث معنا بعد أن غادرنا منزل أخي , فقرر مساعدتنا بأن نقيم عنده فترة من الزمن ريثما تلد زوجته , وفعلا أقمنا عنده مدة أسبوع كامل إلى أن ولدت زوجته بخير وسلامة، والحمد لله أصبحنا نشعر بالأمان في بيت ذلك الرجل الصالح، ولكن زوجة ذلك الرجل الصالح لم يعجبها الوضع، وطلبت منا أن نبحث عن مكان آخر..

 

بعدها قررت أن استأجر بيتاً بعيداً في الجبل وأن أعمل حتى لا نحتاج أحداً , وهنا اضطر أولادي لترك الدراسة، وأنا بدأت أعمل ولكني بسبب ظروف المرض أصبحت أشعر بثقل العبء على أكتافي ولم أعد أستطع النهوض , كانت نظرات أطفالي تملؤها الحزن والخوف لما يجري معي .

 

أنا لم أستسلم للمرض ولكن ظروف الحياة القاسية هي التي جعلتني أشعر باليأس , صحتي بدأت تتدهور من جديد فذلك المرض الخبيث عاد ينهش جسدي دون أن يتذمر .

 

وفي أحد الليالي رفعت كفي للسماء داعية راجية الله سبحانه وتعالى أتوسل إليه بعد أن فقدت الأمل في هذه الحياة وقلت ( يا الله يا خالق السماوات والأرض علمك بحالي يغني عن سؤالي يا رب ارفق بأطفالي فلم يبق لهم سواك فلقد تخلى الجميع عنا و لكنك أنت الرحيم الذي يجعل من كل ضيق مخرجا ) وانهمرت الدموع من عيني بعد طول رجاء .

 

وفي صباح اليوم التالي اتصلت صديقة ابنتي بنا لتخبرنا عن جمعية الشام التي تقوم بإيواء الأرامل وابنائهم في دور خاصة بها والقائمات على الدور اخوات مربيات فاضلات, حينها دقت الفرحة أبواب قلبي بعد أن أغلقته مآسي الحياة، وأصبحت أرى نور الشمس وشروقها وكأني ولدت من جديد .

 

حزمت حقائبي دون تردد، وفي الطريق كنت أقول أنا على يقين بأني لم أخسر معركة الحياة, على الرغم من أن اختبار تلك السنوات كان قاسيا الا أن إيماني الحقيقي بالله رسم لي طريقا بأجمل الألوان الزاهية، وعند دخولي للجمعية شعرت [أن هذا المكان هو المناسب لي ولأطفالي وكان طوق نجاة لطالما حلمت به في حياتي، مملكة مستقلة وغرفة تُؤويني أنا وأطفالي، وتؤمّن دراستهم التي طالما حلمت أن يكملوها

 

الحمد لله الجمعية حريصة كل الحرص على التحاق اولادي بالمدارس والتعليم لي ولهم بالإضافة لحلقات حفظ القرآن الكريم التي أحب أن ينشأ عليها أطفالي، فهي متوفرة من خلال مدرسين مختصين تعينهم الجمعية

 

عدا عن الاهتمام وحسن المعاملة والكساء والغذاء، هذا الاهتمام الذي جعلني أشعر بأن كل ما مررت به من عناء، قد زال بعد سكني في مملكتي الجديدة، وخلال سكني في الدار حتى أنا طالني من العون جانب كبير حيث تعلمت الكثير من العلوم والمعرفة التربوية والشرعية واداب التعامل

 

والحمد لله اتاحت لي الجمعية فرصة أن أكون معلمة رياض أطفال لروضة براعم الشام بالدار والتي تضم 40 طفل يتيم ، وكان هذا حلما في مخيلتي قد تحقق في كنف الجمعية، التي فتحت لنا آفاقا وآمالا لمستقبلنا رغم أحزان الحياة، إلا أن رحمة الله فوق الجميع، خصوصاً عندما يرسل لنا أناس طيبون يحملون كل معاني الإنسانية، ويقومون على خدمة الأيتام ورعايتهم

 

اشكرهم من قلبي وأسأل الله أن يطيل أعمار القائمين على إقامة مثل هذه الدور ويرزقهم نعيم الدارين.

وجزاهم الله تعالى عننا كل خير وتقبل الله منهم صالح الأعمال.

قصة نجاح عائلة بدار أم نوري النوري ببورصة