من رأى ليس كمن سمع - جمعية الشام لرعاية الأيتام

من رأى ليس كمن سمع

من رأى ليس كمن سمع

23-12-2018

هاجرت من بلدي تاركةً أهلي وإخوتي 
تاركةً أخي يرقد في قبره 
وزوجي الذي أحب أخي كثيراً 
ورافقه في مسيرتة ..
فكان له جاراً في مقبرة القرية ..


تاركةً أمي التي حزنت كثيراً على فراقها لابنها فلم تتحمل تلك الصدمة فماتت....


انتهت حياتي .....
أظلمت الدنيا في عيني ....


سواد الليل صار شبحا يلقي قميصه على وجهي ولم أعد أرى إلا السواد .....
هاجرت تاركة أهل زوجي الذين يلقون باللوم علي لأن ابنهم قد قتل !!!!!!!!!
ويقولون لم تركت ابننا يموت ؟


فهل من يجيبهم عني !!!!!
فلم أرى نفسي إلا وقد حملت ولدي وبنتي في جنح الظلام.
هاربة من واقع أشد ظلاما من ظلمة ذلك الليل 
ومن بشر لهم قلوب أشد سوادا من سواده


لأجد نفسي في تركيا 
واتجهت إلى منطقة بعيدة كي لا يجدونني ويأخذوا مني أولادي 
وسكنت في منطقة زراعية ليس فيها من مقومات الحياة إلا الهواء 


لأسكن في خيمة
لا ترد شعاع الشمس وحرها ..
ولا برد الشتاء وقسوته.
لأسكن في خيمة البؤس والجهل ...


فكل ما أذكره أني استلمتها بلون أبيض والذي لا أنساه أنني تركتها سوداء ولكن ليس كسواد الواقع الذي هربت منه ولا كسواد قلوب أولئك الناس 
فسوادها كان من غبار النار التي أطبخ عليها طعامي ...


لأبدأ يومي بالعمل في الأراضي الزراعية تاركة أولادي خلفي
فأقضي طيلة يومي في هذا العمل لأعود في المساء إلى خيمتي وصغاري الذين يتضورون جوعا فأطبخ لهم وأعد الخبز بالطريقة البدائية (الخبز على الصاج فوق الجمر)


وأغسل ثيابهم 
وأرقد بجانبهم حتى يناموا وقد أمضوا يوما بلا فائدة في اللهو واللعب 
وتعلم الأشياء الضارة
والعادات السيئة


أتعبني هذا العمل الشاق
والأشق منه أطفالي الذين أراهم يضيعون أمامي بلا: تربية... ولا تعلم..... بلاااااا أم 
نعم حقيقة بلا أم 


الأم التي لا يرونها إلا ساعة في الظلام 
الأم التي لا تربيهم كباقي الأمهات 
الأم. التي لا تلعب معهم 
الأم التي لم تهتم بتعليمهم 
الأم التي لا تعطف عليهم لأن وقتها كله في العمل لتنفق عليهم 


في تلك الأيام دائما يراودني هذا السؤال
ولا أعلم ولا أستطيع الحكم ماهي النتيجة.
إن تعرض أبنائي لهذا الموقف :
إذا عطفت عليهم أي امرأة في الشارع 
وأخذتهم إلى الحديقة ولعبت معهم .
وكان عليهم اختيار :
إما تلك المرأة .
أو أن يبقوا معي 
من سيختارون ؟؟!!


هذا حالي حتى جاءت لحظة الفرج بفضل من الله ليخبرني أحد معارف زوجي رحمه الله 


بأن هناك جمعية معروفة في الريحانية بسمعتها الطيبة و باهتمامهم بالأرامل والأيتام ويقدمون كل ما تحتاجه العائلة من مسكن ومأكل وتعليم وتربية 
وفعلاً جئت إلى الريحانية وقابلتهم وتم قبولي في الدار تاركة تلك الخيمة الشاحبة فارغة لتبدأ قصة عائلة أخرى معها 


جئت إلى دار الجمعية دار المعالي لأسكن في شقة فيها كل ما تحتاجه العائلة 


ليتبدد عندها الظلام الذي ظننت أنه سيعيش معي حتى الممات لتتغير نظرتي بأن ليس في الدنيا إلا قلوب سوداء إلى نظرة التفاؤل بما رأيت من حسن المعاملة في مكتب الجمعية وتعاطفهم معي والخدمات المقدمة في الدار واحترام القائمين عليها لي ولأولادي 


فلم يكن في بالي بأن هناك أناس سيحضنون أولادي وليس لهم أي قرابة نسب بهم ولم يكن ببالي بأن هناك أناس يخدمون الناس بدون أي مقابل دنيوي 


دار المعالي التي دخلتها لا أعرف من القراءة والكتابة إلا الشيء اليسير وأولادي لا يعرفون القراءة والكتابة بسبب واقعهم الذي كانوا فيه 
فبدأت أخضع لبرامج الدار التعليمية والمهنية والبرامج التي ترفع من المعنويات ودعم النفسية فخضعت لدورة محو الأمية والآن أنا في المستوى الثالث منها 


والتحقت بدورة لتعليم الخياطة وما هي إلا أياماً قليلةً وأنتهي منها وأنال شهادة المهنة ومعها هدية ماكينة خياطة وأنهيت جزء عم قراءة على الحاضر وبدأت بالحفظ به غيبا والأهم من ذلك كله أولادي 


زهرة عمري 
ريحانة حياتي 
فلذة كبدي
قرة عيني 


فقد أصبحوا في المدرسة منذ أن دخلت الدار في السنة الماضية وتعلموا القراءة والكتابة وأتقنوا الجزء الرشيدي وسلوكياتهم وأخلاقهم تغيرت وهم الآن يحفظون الكثير من سور القرآن القصيرة في جزء عم ويتقنون الكثير من الكلمات والجمل التركية 


وأقولها لله 
في الريحانية الكثير من دور الأيتام ولكن مثل هذه الدار لن أجد 
ولن أخرج منها ولن أتركها إن شاء الله 


الحمد والشكر لك ياربي
شكراً لك يا جمعية الشام

قصة عائلة في دار المعالي بالريحانية