آمنة وأبناؤها الأيتام - جمعية الشام لرعاية الأيتام

آمنة وأبناؤها الأيتام

آمنة وأبناؤها الأيتام

11-09-2017

قصة من وحي المعاناة لأسرة أيتام من السودان

لم يتبقَّ في يد آمِنة سوى بضعة جنيهات، وهو آخِر مبلغ تركَه لها زوجها الجندي سعيد المتوفَّى في منطقة تلودي وهو يُدافع عن تراب الوطن ضدَّ المتمرِّدين، تُقلِّب آمنة هذه الجنيهات، وهي تنظر لأبنائها الأيتام (أحمد 8 سنوات ومنى 6سنوات) بشفقَة يَشوبها كثير من الخوف وهم يُقلِّبون التراب لعبًا على رؤوسهم فرحًا وبهجة ببراءة الأطفال، ثم يتجه بصر آمنة إلى اتجاه آخَر، وهو المنزل الذي قد حذَّرها الجيران والأقرباء بضرورة صيانته، وإلا سيقع هذا الفصلَ من الخريف، وستكون نهايته،

وما هي إلا لحظات حتى سقطت أول قطرة من المطر مؤذنة بهطول الأمطار، ففزعت أم الأيتام، فأدخلت أبناءها داخل المنزل المتهالك، واشتدَّ المطر مع بعض الزوابع الرعدية، وبدأ سقف المنزل المُتهالك بالفرقعة محذِّرًا بالسجود، والأم تدعو قائلة: "لطفك يا الله"، فجأة أظلمت الدنيا في عيني آمنة ولم تُفِق إلا عند جارتها سمية قائلة لها: "حمدًا لله على السلامة" مُربِّتةً على كتفها، ثم صرخت آمنة قائلة: "أين أبنائي؟"

فقالت: إنهم بخير، فجاؤوا إليها مسرعين: ماما، ماما، فاحتضنتهم وهي تبكي قائلة لهم: "مهما حصل لا تذهبوا مني بعيدًا"، ثم قالت لهم: هيا إلى المنزل، فقالوا لها: "أمي، البيت مخيف، ولم يتبقَّ فيه إلا جدار واحد فقط"، فردَّت عليهم: لا بد من العودة وبناء "راكوبة" ولملمة باقي العفش داخل الراكوبة"، فاقتنع الأبناء وعادوا إلى المنزل متأثِّرين وفي أمنيتهم أن يبقوا مع جيرانهم، لكنهم عادوا ولا توجد كسرة خبز في منزلهم، عادوا وثيابهم الرثة تُنبئ عن واقعهم الحزين.

 

وقفت آمنة على بقية حطام منزلها، وأطفالُها حولها ينظرون متسائلين، فنظرت إليهم نظرة حيرة وألم ثم قالت في نفسها: لا بد من العمل، فخرجَت سريعًا من المنزل مُستعيرة عباءة جارتها؛ فعباءتها قد ابتلعها حطام المنزل، وخرجت يَحدوها الأمل والتفاؤل، وفي نفس الوقت أعطت جارتها بضعة من الجنيهات موصية إياها بأن تقوم بإفطارهم فقط؛ فهي لا تملك شيئًا للغداء، وربما ستأتي لهم بالعشاء، وربما لا.

 

وأثناء بحثها عن عمل وكانت سائرة في الطريق، وتتمنى ألا تعود إلى أطفالها بدون شيء، وفي أثناء ذلك لاحظت إحدى النساء تلتحِف بحجابها واقفة أمامها تنتظر المواصلات، فحدثتها نفسها أن تقف بجانبها، فوقفت بجانبها فسلمت عليها، فردَّت عليها السلام، فارتاحت لها، فرَكِبَتا معًا المواصلات بجانب بعضهما البعض، وتحسَّست آمنة نقودها فلم تعثر على شيء، فقالت لجارتها بتلعثم وحرج: والله لا أملك نقودًا للمواصلات فأرجو أن تستريني ستر الله عليكِ، فقالت لها بكل رحب وسرور: أين تسكنين؟

فقالت: نحن نسكن في منزل عبارة عن خراب؛ فقد سقط المنزل وأُتلف ما تبقَّى من أثاثنا، ولا نملك قوت يومنا فنُفطِر ولا نتغدى، وهكذا، وتنهَّدت آمنة ودمعة حارقة تنزل على خدها، فقالت لها فاطمة: لا تخافي، سنكفل أبناءكِ، فقط أريد منك هذه المستندات، وقالت لها: أنا مُشرِفة على كفالة الأيتام وسأكفلهم لكِ بإذن الله، فقالت آمنة: شكرًا لك كثيرًا، نزلت آمنة من المركبة مسرعة إلى منزلها قائلة لأبنائها: أبشروا بالخير، فُرجت من الكريم الوهاب..

ففرحوا ليس لشيء إنما لفرح أمِّهم، ولم يأتِ اليوم التالي إلا وآمنة واقفة أمام مركز مساعدة الأيتام، وقد استقبلتْها المشرفة فاطمة بوجه بشوش مرحبة بها، وقد استلمت منها المستندات ووعدتها بالاتصال حال كفالة أبنائها، فتحشرَج صدرها بالحزن مشوبًا بالفرح، وسقطت دمعة صادقة كأنها تودع عين آمنة إلى الأبد، مودعة أيام الفقر والعوز إلى أيام الدعة والعيش الهنيء.

 

وما هي إلا شهور معدودة وقد صبَّت عليها النعم صبًّا بعد اتصال المشرفة فاطمة بها، وقد انقلبت حالها من بعد ضراء مسَّتها إلى نعيم، بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود الخيِّرين من المنظَّمة سابقة الذكر، وها هي منى مُحاضرة في جامعة الخرطوم تنشر قناديل العلم لتلاميذها، وما أن تقترب من منزل آمنة وأبنائها ، تسمع دندنة الأرملة آمنة بعد أن احدودَب ظهرها واشتعل رأسها شيبًا وهي ترتل قوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9].

 

ما قرأتموه نموذج مُشرِق لأسرة يتيمة بعد أن وجدوا الرعاية الكاملة حتى أخرجَت قناديل من نور تُضيء لآخَرين، بعد أن كادت تنطفئ..