التعبير بـ (اليتامى) دون (الأيتام) في الذكر الحكيم - جمعية الشام لرعاية الأيتام

التعبير بـ (اليتامى) دون (الأيتام) في الذكر الحكيم

التعبير بـ (اليتامى) دون (الأيتام) في الذكر الحكيم

13-09-2018

التعبير بـ (اليتامى) دون (الأيتام) في الذكر الحكيم

د. أحمد عيد عبدالفتاح حسن

 

القرآن الكريم كلامُ الله ذي الجلال والكمال، لا يمكن أن يوجد في مفرداته قُصور، أو عدم وفاء بالمراد؛ فلا ريب أنَّ كلَّ مفردة مِن مفرداته جاءت في مكانها اللَّائق، وموضعها الرَّائق، فجمَعت الدقَّة، واتَّسمتْ بالقوة، وحازتِ الكمال، وفاضتْ بالجلال.

 

وهذا ما نراه في إيثار لفظ (اليتامى) على لفظ (الأيتام) في الذِّكر الحكيم؛ لأنَّ في اللفظ الأول كمالًا وتمامًا ووفاءً بالمراد، وفي اللفظ الثاني نقص وقصور وعدم وفاء بالمراد يتنزَّه القرآن الكريم عنه؛ لأنه تنزيلٌ من حَكيم حميد.

 

ولا بدَّ مِن إيضاح بعض الأشياء قبلَ الدخول في الكلام عن الجمعين، على النحو الآتي:

أولًا: الفعل الثلاثي (يتم):

فعلٌ لازمٌ يندرج تحت الفعل المثال من حيث نوعيَّة الاعتلال، وهو ما كانت فاؤه حرفَ علة؛ واوًا أو ياءً، وقد جاء على ثلاثة أبواب من أبواب مضارع الثلاثي:

الأول: (فَعِلَ يَفْعَلُ) بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، قالوا: (يَتِمَ الصَّبِيُّ يَيْتَمُ)، مثل: (تَعِبَ يَتْعَبُ).

الثاني: (فَعَلَ يَفْعِلُ) بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، قالوا: (يَتَمَ الصَّبِيُّ يَيْتِمُ)، مثل: (جَلَسَ يَجْلِسُ).

الثالث: (فَعُلَ يَفْعُلُ) بضم العين في الماضي والمضارع، قالوا: (يَتُمَ الصَّبِيُّ يَيْتُمُ)، مثل: (قَرُبَ يَقْرُبُ).

 

ثانيًا: المصدر:

جاء على وزن (الفُعْل، والفَعْل)، قالوا: (اليُتْمُ، واليَتْمُ)؛ و(اليُتْمُ) فِي النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، وَفِي البَهَائِمِ مِنْ قِبَلِ الأُمِّ؛ ولذلك تقول العرب: (أَيْتَمَتِ المَرْأَةُ)، والمعنى: صَارَت ذاتَ أَوْلَادٍ يَتَامَى، فَإِنْ مَاتَ الأَبَوَانِ فَالصَّغِيرُ لَطِيمٌ، وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَقَطْ فَهُوَ عَجِيٌّ[1].

 

ثالثًا: نوع اليتيم:

يقال للذَّكر: (صَبِيٌّ يَتِيمٌ) على وزن (فَعِيل)، صفة مشبَّهة باسم الفاعل تُصاغ مِن الفعل اللازم للدلالة على الثبوت والدوام، ويقال للأنثى: (صبيةٌ يتيمةٌ).

 

وحَكَى ابنُ الأعْرابي: (صَبِيٌّ يَتْمَانُ)، على وزن (فَعْلان)، وأنْشَدَ لأبِي العَارِمِ الكِلابِيِّ: [من الطويل]:

فَبِتُّ أُشَوِّي صِبْيَتِي وحَلِيلَتِي *** طَرِيًّا، وجَرْوُ الذِّئْبِ يَتْمَانُ جَائِعُ

وعلى هذه الحكاية فمؤنَّثه (صبيةٌ يَتْمَى) على وزن (فَعْلَى)، مثل: (رجل غَضْبَان وامرأة غَضْبَى).

 

رابعًا: مَن اليتيم؟

اليتيم: هو المنفرد عن الأب؛ لأنَّ نفقته عليه لا على الأم، وفي البهائم: اليتيم: هو المنفرد عن الأم؛ لأنَّ اللبن والأطعمة منها[2].

 

واليَتِيمُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَعِزُّ نَظِيرُهُ، فيقال: (دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ)؛ أَيْ: منفردة لَا نَظِيرَ لَهَا، ويقال: بَيتٌ من الشِّعْر يَتِيمٌ؛ أي: مُفْرد لَا نَظِير لَهُ؛ فكل منفرد عند العرب يتيمٌ ويتيمة[3].

 

وتذهب العامة إلى أنَّهُ الصبي الذي مات أبوه أو أمُّه؛ وليس كذلك، وإنما اليتيم مِن الناس الذي مات أبوه خاصةً، ومن البهائم الذي ماتت أمُّه، فإذا بلغ الصبي زال عنه اسمُ اليُتْم، وإذا أُطْلِقَ عليه بعد البلوغ فعلى سبيل المجاز المرسل، الذي علاقته: تسمية الشيء باعتبار ما كان عليه.

وقال المفضَّل: أصل اليُتْم: الغفلة، وبه سمِّي اليتيم يتيمًا؛ لأنَّهُ يُتغافل عن برِّه.

وقال أبو عمرو: اليُتْم: الإبطاء، ومنه أُخذ اليتيم؛ لأنَّ البر يبطئ عنه.

 

والمرأة تُدعى يتيمة ما لم تتزوج، فإذا تزوَّجتْ زال عنها اسمُ اليُتْم، وقيل: المرأة لا يزول عنها اسم اليُتْم أبدًا، فكلُّ النساء يتامى[4].

 

خامسًا: الجَمْعان:

الجمعانِ محلَّ السؤال مشهوران[5]، وكلاهما وزنه مَسموع، يحفظ ولا يجوز القياس عليه[6]؛ لقلَّته، فليس لك أن تجمع على وزنيهما اللذين جاءا عليهما مفردًا آخر غير الذي ورد مسموعًا فيه عن العرب.

 

الجمع الأول: (أيتام) على وزن (أفْعَال)، وهو مِن أوزان جمع التكسير الدالة على القلَّة، وهو مسموع؛ لأنَّ ما زاد مِن الأسماء على ثلاثة أحرف لا يَطَّرد جمعه على (أفعال)، لكنَّهم أجروه مجرى غير المزيد، مثل: (كَتف وأكتاف)، قال المبرد: "وَقد قَالُوا فِي فعيل: (شرِيف وأشراف، ويتيم وأيتام) على حذف الزِّيَادَة، كَمَا قَالُوا: أقمار وأنصار"[7]؛ في جمع قَمير، وناصر أو نصير، على تقدير حذف الزيادة.

ولم يجئ هذا الجمع في الذِّكر الحكيم.

 

الجمع الثاني: (يتامى) على وزن (فَعَالَى) بفتح أوله ورابعه، الذي يطرد فيما يأتي:

1- في (فَعْلاء) اسمًا كان، نحو: صَحْرَاء، أو صفة لا مذكَّر لها، نحو: عذراء، تقول في جمعهما: صَحَارَى، وعَذَارَى.

 

2- في ذي الألف المقصورة للتأنيث، نحو: حُبْلَى، أو للإلحاق، نحو: ذِفْرى، وعَلْقى، فتقول في جمعهما: حَبَالَى، وَذَفارَى، وعَلاقَى.

 

3- في وصف على (فَعْلان)، نحو: عَطْشَان، وغَضْبَان، وسَكْرَان، أو على (فَعْلَى) بالفتح، نحو: عَطْشَى، وَغَضْبَى، وسَكْرَى، تقول في جمعها: عَطَاشَى، وَغَضَابَى، وسَكَارَى.

ويحفظ هذا البناء (فَعَالَى) في نحو: يَتِيم ويَتَامَى[8]؛ لأنَّ جَمْعَ فَعِيلٍ عَلَى فَعَالَى قَلِيلٌ.

قال ابن سيده المرسي (ت 458هـ): " وأَحْرِ بـ (يَتَامَى) أَنْ يكونَ جَمْعَ (يَتْمانَ) أيضًا"[9]!

  • وهذا الجمع هو الوارد في القرآن الكريم على النحو الآتي:

في سورة البقرة أربعة مواطن:

1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 83].

 

2- قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾ [البقرة: 177].

 

3- قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة: 215].

 

4- قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 220].

 

وفي سورة النساء ثمانية مواطن:

1- قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2].

 

2- قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3].

 

3- قوله تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ﴾ [النساء: 6].

 

4- قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8].

 

5- قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

 

6- قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 36].

 

7- ، 8 - قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 127].

 

وفي سورة الأنفال:

قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: 41].

 

وفي سورة الحشر:

قوله تعالى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الحشر: 7].

 

والملحوظ فيما سبق مِن آيات استعمالُ الجمع الذي على وزن (فَعَالَى)، وهو (يَتَامَى)، وهذا ما جعل السائل الحصيف يسأل:

 

لماذا جاء هذا الجمع، ولم يأتِ(أفعال)، مع أننا نستعمله كثيرًا في كلامنا؟

 

والفرق بين الجمعين - كما ظهر لي - من جهتين:

الجهة الأولى: من حيث نوع جمع التكسير، فـ (أَفْعَال) جمع قلَّة، و(فَعَالَى) جمع كثرة؛ لأنَّ العرب يستعملون في كلامهم أبنيةً مُحَدَّدَةً تُسَمَّى أبنية جمع القلَّة؛ إذا أرادوا مِن الجمع عددًا مُحَدَّدًا لا يَقِلُّ عن ثلاثةٍ، ولا يَزِيدُ على عَشَرَةٍ، ومنها: بناء (أفعال).

 

ويستعملون أبنيةً أخرى تُسَمَّى جموع الكثرة؛ إذا أرادوا مِن الجمع عددًا لا يقلُّ عن ثلاثةٍ، ولكنَّهُ يزيد على عَشَرَةٍ إلى ما لا نهايةَ له، ومنها: بناء (فَعَالَى) بفتح الفاء واللام.

 

فيتَّفق جمعُ القلَّة وجمع الكثرة في البداية، ويختلفان في النِّهاية على الراجح، وقال المرادي: "مدلول جمع القلَّة بطريق الحقيقة من ثلاثة إلى عشرة، ومدلول جمع الكثرة بطريق الحقيقة ما فوق العشرة إلى ما لا نهاية له"[10].

 

فـ (يَتَامَى) أَوفى معنًى، وأشمل عددًا، وأصدق إطلاقًا من (أيتام)؛ فإنَّ اليتامى في الأمَّة الإسلامية غير قليلين؛ فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: ((لا يدخُلُ الجنَّة سيِّئُ المَلَكَةِ))، قالوا: يا رسول الله، أليس أخبرتنا أنَّ هذه الأُمَّة أكثرُ الأُممِ مملوكين ويتامى؟ قال: ((نعم، فأَكرِموهم ككرامةِ أولادِكُم، وأطعِموهم مِمَّا تأكُلون))[11].

 

الجهة الثانية: من حيث نوع المفرد المجموع عليهما؛ فإنَّ (أيْتَام) جمع تَكسير لنوع معيَّن من المفردات، وهو المذكَّر، فمفرده: (صبيٌّ يتيمٌ)، ولا يَندرج تحته النوع الآخر، وهو المؤنَّث؛ فلا يقال: (أيتام) في جمع (يتيمة).

 

و(يتامى) جَمع تكسير شامل للنَّوعين: المذكَّر، والمؤنث، فمفرده: (يتيم ويتيمة)، قال شيخ المفسِّرين: "وأمَّا (اليتامى) فهم جَمع (يتيم)، مثل: (أسير وأَسَارى)، ويدخل في اليتامى الذكور منهم والإناث"[12].

 

وكان اعتمادي في التَّفرقة بين هذين الجمعين مِن هذه الجهة على أقوال بعض أئمَّة اللغة؛ فهذا أبو موسى الأصبهاني المديني (ت 581هـ) يقول: "وجَمعُ اليَتِيم: أَيْتَام ويَتَامَى، وقيل: جَمعُ اليتيمَة: يَتَامَى"[13]، وذاك أبو الفتح المُطَرِّزِي (ت 610هـ) يقول: "(وَاليَتَامَى) جَمْعُ يَتِيمٍ وَيَتِيمَةٍ، وَالأَصْلُ: (يَتَائِمُ) فَقُلِبَ، وَأَمَّا (أَيْتَامٌ) فَجَمْعُ يَتِيمٍ لَا غَيْرُ، كَـ: شَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ"[14]؛ وذلك أَبُو العَبَّاسِ الفَيُّومِيُّ (ت 770هـ)يقول: "يُقَالُ: صَغِيرٌ يَتِيمٌ، وَالجَمْعُ: أَيْتَامٌ وَيَتَامَى، وَ: صَغِيرَةٌ يَتِيمَةٌ، وَجَمْعُهَا: يَتَامَى"[15].

 

وللزمخشري فَنْقَلةٌ، وكلامٌ طيبٌ حول هذا الجمع، تكتمل بذكره الفائدة، وهو قوله: "فإن قلت: كيف جمع اليتيم - وهو فعيل كمريض - على يتامى؟ قلت: فيه وجهان:

أن يجمع على (يَتْمَى) كـ (أسْرَى)؛ لأنَّ اليُتْم من وادي الآفات والأوجاع، ثم يجمع (فَعْلَى) على (فَعَالَى) كـ (أَسَارى).

ويجوز أن يجمع على (فعائل)؛ لجري اليتيم مجرى الأسماء، نحو: صاحب وفارس، فيقال: يتائم، ثم يتامى على القلب.

 

وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار؛ لبقاء معنى الانفراد عن الآباء، إلَّا أنه قد غلب أن يسمَّوا به قبل أن يبلغوا مبلغَ الرجال، فإذا استغنَوا بأنفسهم عن كافلٍ وقائم عليهم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون عليهم، زال عنهم هذا الاسمُ.

 

وكانت قريش تقول لرسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: يتيم أبي طالب؛ إمَّا على القياس، وإمَّا حكاية للحال التي كان عليها صغيرًا ناشئًا في حجر عمِّه توضيعًا له.

 

وأمَّا قوله عليه السلام: ((لَا يُتْمَ بَعْدَ الحُلُمِ))؛ فما هو إلَّا تعليم شريعة لا لُغة، يعني: أنَّهُ إذا احتلم لم تجرِ عليه أحكامُ الصغار"[16].

 

في نهاية المطاف:

لعلَّك أصبحتَ على قناعة من أنَّ الكمال والتمامَ والوفاء بالمراد في استعمال لفظ(اليتامى)، والنَّقص والقصور وعدم الوفاء بالمراد في استعمال لفظ (الأيتام)؛ ولذلك لم يَستعمله الذِّكر الحكيم.

 

لعلك وقفتَ على شيء مِن الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم، وأدركتَ سرَّ إيثار هذا اللَّفظ على ذاك، وأظنُّك الآن تُردِّد معي قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، وقوله عز وجل: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].

 

﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10]

 

-----------------------------------------

[1] ينظر: المصباح المنير (ي ت م).

[2] ينظر: التعريفات؛ للجُرجاني 258.

[3] ينظر: المصباح المنير (ي ت م).

[4] ينظر: تهذيب اللغة، ولسان العرب (ي ت م)، والتكملة والذيل على درة الغواص لأبي منصور الجواليقي 862، 863.

[5] ذكرت كتب اللغة جموعًا أخرى مع هذين، هي: يَتَمَةٌ، ومَيْتَمَةٌ، ويَتَائِم، وجاء في معجم متن اللغة (ي ت م) أنَّ جمع يتيم ويتمان: أيتام ويتامى ويَتَمة ومَيْتَمة، وجمع يتيمة: يتامى ويتائم.

معجم متن اللغة؛ لأحمد رضا (ي ت م).

[6] ينظر: ارتشاف الضَّرَب؛ لأبي حيان1/ 413، وتمهيد القواعد؛ لناظر الجيش 9/ 4768.

[7] المقتضب 2/ 220.

[8] ينظر: تذليل التصريف 2/ 241.

[9] المحكم والمحيط الأعظم (ي ت م).

[10] توضيح المقاصد والمسالك 3/ 1378.

[11] الحديث في سنن ابن ماجه، باب الإحسان إلى المماليك، رقم 3691، إسناده ضعيف.

[12] جامع البيان في تأويل القرآن 2/ 292.

[13] المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث 3/ 525.

[14] المُغْرِب فِي تَرْتِيبِ المُعرب (ي ت م).

[15] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (ي ت م).

[16] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل 1/ 463، 464.