اذا ابتسم اليتيم ابتسمت الدنيا

 يصادف 15رمضان من كل عام مناسبة يوم اليتيم في العالم الإسلامي بعد إقراره من منظمة التعاون الإسلامي والذي يهدف لتسليط الضوء على قضايا الأيتام والبحث في تقديم أفضل الخدمات لرعاية وحماية اليتيم والأرملة.

من حق كل طفل يتيم ان يبتسم وان نرسم جمعيا على شفاهه البسمة والفرحة و أن يتباهى فى يوم عيده بما صنعه أقرانه الذين صنعوا التاريخ، ومن حقه أن يفتخر أن يتيما مثله حُرم من حضن الوالدين، أو أحدهما، يمتلك ميزة قد لا يمتلكها غيره، وهى القدرة على الابتكار والاختراع والإبداع، فمن جحيم آلام اليتم خرج عظماء غيروا وجه التاريخ، لم تهزمهم مرارة اليتم، ولم توقفهم مصاعب الحياة..

نجحوا بالعزيمة والإرادة في تحطيم ستائر الأحزان، وحققوا ما لم يحققه غيرهم، وأنجزوا ما عجز عنه الآخرون، وصاروا، أنبياء ورسل وزعماء ورؤساء دول وحكومات، ومؤسسي إمبراطوريات وأئمة ودعاة، وفقهاء قانون ومناضلين ومبدعين وشعراء وأدباء ، وغيرهم ممن ولدوا أيتاما وصاروا عظماء.

ويذكر التاريخ قائمة طويلة من هؤلاء الأيتام العظماء، وعلى رأسهم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، فقد ولد يتيم الأب، وعندما وصل إلى السادسة من عمره، فقد أمه ولما وصل الثامنة من عمره فقد جده الذي كان يحتضنه بعد وفاة والديه صلى الله عليه وسلم.

نعم أيتام، ولكن علماء، أيتام وقادة ومبدعين، أيتام وعظماء، أيتام وأئمة...

ليس عيبًا أن يفقِدَ الولد أباه، ويتربى على يد أمه، وليس يُتمُه مسببًا لتأخره، ولا قاضيًا على تقدمه، فكم من عظيم أدبَتْه وعلمته واعتنت به أمُّه، فأفاد الأمة من علمه واكتشافاته العظيمة! وكم من الأئمة الأعلام مَن اعتنت بهم أمهاتهم فكانوا هداة وعظماء!

لقد اعتنى الإسلام باليتيم، واهتم به اهتمامًا عظيمًا، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة كثيرة في ذلك، وفيها الحث على كفالته، والعناية به، والتحذير والوعيد الشديد مِن أكل ماله ظلمًا، وقهره، وسبِّه وشتمه والإساءة إليه.

كفاكم - إخواني وأبنائي اليتامى - شرفًا وعزًّا وفخرًا أن نبي الأمة وقائدها وإمامها صلى الله عليه وسلم نشأ يتيمًا؛ فالحمد لله الذي جعل يُتمه صلى الله عليه وسلم تشريفًا لكل يتيم؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، وُلد يتيمًا، وعاش يتيمًا، فأدَّبه الله فأحسن تأديبه، حتى عمت دعوته العالم، وبنى دولة الإسلام فدانت لها الدول والأمم.

نعم أيها الإخوة، توفِّيَ أبوه عبدالله وهو حملٌ في بطن أمه، ثم توفيت أمه وهو في سن السابعة من عمره، وبعد ذلك توفي جده عبدالمطلب وهو في سن الثامنة من عمره، وكفله عمه أبو طالب إلى أن مات، وما زال ينشأ، حتى إذا بلغ أشده نزل عليه الوحي، فدعا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وسلم.

بل إن الكثيرَ من الأنبياء عليهم السلام كانوا يتامى، منهم: سيدنا موسى عليه السلام، كان يتيمًا ترعاه أمه، ونبي الله عيسى عليه السلام ولد بلا أب لأم يتيمة هي مريم عليها السلام.

أبنائي وأحبابي الأيتام

لا يعني فقدُ الأب اليأسَ والقنوط والتكاسل، لا أيها الإخوة؛ فاليتيم يجِدُّ ويجتهد، وينشط ويعمل، ويتعلم ويصل إلى أعلى المناصب، وكم مِن ولد عاش في كنف والديه وأكل أفضل الطعام وأحسنه، ولبس من أجمل الثياب وأفخمه، لكنه فشل في حياته العلمية والعملية والمهنية!

ولو تتبعنا حياة العظماء والقادة والعلماء، لوجدنا أن اليتامى كانوا في مقدمتهم، وأذكر لكم نماذج من هؤلاء الذين كانت لهم القيادة والزعامة في العلم والدعوة والأخلاق والاقتصاد والسياسة.

من هؤلاء:

الزبير بن العوام رضي الله عنه: الذي عدله عمر بألف فارس كان ناتج تربية أمه صفية- رضي الله عنها - بعد أن مات أبوه وهوصغير.

ومنهم الصحابي الجليل أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عبدالرحمن بن صخر الدَّوْسي، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ونقلًا له.

قال عن نفسه :’’نشأت يتيمًا، وهاجرت مسكينًا وكنت أجيرًا لابنة غزوان بعام بطني وعقبة رجلي، أحدو بهم إذا ركبوا، وأحتطب إذا نزلوا. فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا، وجعل أبا هريرة إمامًا‘‘.

ومنهم القاسم بن محمد بني أبي بكر: القاسم بن محمد ابن ابي بكر جده خليفة رسول الله ﷺ أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة

الإمام القدوة الحافظ الحجة عالم وقته بالمدينة مع سالم وعكرمة أبو محمد وأبو عبد الرحمن القرشي التيمي البكري المدني ولد في خلافة الإمام وعاش يتيما ولم يلحق أباه وربي القاسم في حجر عمته أم المؤمنين عائشة 

ومنهم: الإمام الشافعي رحمه الله:يقول عن نفسه: "حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين".

يقول: "كنتُ يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيه للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، وأخفف عنه". اي يساعده في التدريس والتعليم والخدمة

ومنهم: الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: توفي أبوه وعمره ثلاث سنوات، فمن الذي اعتنى به؟ إنها أمه، فقد حفظ القرآن وعمره عشر سنين.

قال المرُّوذي: قال لي أبو سِراج بن خُزيمة: كنا مع أبي عبدالله في الكتَّاب، فكان النساء يبعثن إلى المعلم: ابعث إلينا بابن حنبل ليكتب جوابَ كتبهم، فكان إذا دخل إليهن لا يرفع رأسه ينظر إليهن.

قال أبو سراج: فقال أبي لنا ذات يوم: أنا أُنفق على أولادي وأجيئُهم بالمؤدِّبين على أن يتأَدبوا فما أراهم يُفلِحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظر كيف يخرج! وجعل يعجَب منه..

ومنهم: الإمام الأوزاعي رحمه الله: كان يتيمًا في حجر أمه، تنقُلُه من بلد إلى بلد ليتعلم، حتى بلغ من العلم مبلغًا عظيمًا.

ومنهم: الإمام البخاري رحمه الله:حبرُ الإسلام، والحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب الجامع الصحيح، صحيح البخاري، ولد في بخارى، ونشأ يتيمًا.

ومنهم: القاضي أبو يوسف رحمه الله:يعقوب بن إبراهيم الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت، وأشهر تلاميذه، وقد نشأ وعاش يتيمًا فقيرًا معدمًا، قال عنه الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "وهو أولُ مَن لُقِّب بقاضي القضاةِ".

ومنهم: الحافظ ابن حجر العَسْقلاني رحمه الله:نشأ الحافظُ ابن حجر يتيمًا، مات أبوه، وماتت أمه قبل ذلك وهو طفل.

قال الشمس السخاويُّ تلميذ الحافظ ابن حجر:" وزادت تصانيفُه - التي معظمها في فنون الحديث، وفيها من فنون الأدب والفقه، والأصلين وغير ذلك - على مائة وخمسين تصنيفًا، رُزِق فيها من السَّعد والقَبول، خصوصًا فتح الباري بشرح البخاري، الذي لم يسبق نظيره أمرًا عجبًا"، وقد بلغت مصنفاته أكثر من اثنين وثلاثين ومائة تصنيف.

ومنهم: الإمام ابن الجوزي رحمه الله:هو الإمام العلامة، حافظ العراق، ، صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم؛ من التفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، والزهد، والتاريخ، والطب، وغير ذلك.

قال الحافظ شمس الدين الذهبي: "وما علمت أحدًا من العلماء صنَّف ما صنَّف هذا الرجل، مات أبوه وله ثلاث سنين، فربَّتْه عمتُه، وأقاربه".

وحضر مجلسَه ملوكٌ ووزراء، بل وخلفاء، ويقال في بعض المجالس: حضره مائة ألف.

قال سِبْطُه: سمعت جدي يقول على المنبر: "كتبت بإصبعي ألفَيْ مجلد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفًا"، وكان يختم في كل أسبوع ختمة.

ومنهم: ابن المُلَقِّن رحمه الله: مِن أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال، له نحو ثلاثمائة مصنَّف، مات أبوه وله مِن العمر سنة واحدة، فتزوجت أمه بشيخ كان يلقِّن القرآن، فنشأ في بيته، فعُرِف بابن الملقن، نسبة إليه.

ومنهم: جَلَال الدين السيوطي رحمه الله: إمام حافظ مؤرِّخٌ أديب، له نحو 600 مصنف، مات والده وعمره خمسُ سنوات.

ومنهم: عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك رحمه الله: الملقب بصقر قريش مؤسِّس الدولة الأموية في الأندلس، وُلِد في دمشق سنة 113هـ، ونشأ يتيمًا، وكان فصيحًا، بليغًا.

ومنهم: الشاعر أبو الطيِّب المتنبِّي رحمه الله:نشأ يتيمًا، وتوفِّيت أمه وهو صغير، فكفَلَتْه جدتُه لأمه، وكان أعظمَ شعراء عصره، وأكثرهم تمكنًا باللغة العربية وبقواعدها.

ومِن شعره:

فالخيلُ والليلُ والبَيْداءُ تعرِفُني ♦♦♦ والسيفُ والرُّمحُ والقِرطاسُ والقلَمُ

ومنهم عماد الدين زنكى: وُلد “عماد الدين زنكي بن آق سنقر بن عبد الله آل ترغان” نحو سنة [477هـ = 1084م] في أسرة تنتمي إلى قبائل “الساب يو” التركمانية، وكان والده “آق سنقر” مملوكًا للسلطان السلجوقي “ملكشاه”، وكان مقربًا إليه واسر في معركة في [جمادي الأولى 487هـ = مايو 1094م] وأسره، و قتله بعدها وعاش عماد الدين يتيماً واسس الدولة الزنكية

ومنهم طارق بن زياد: فاتح الأندلس

ومنهم الظاهر بيبرس الذى لم يهزم فى معركة قط وهو الصانع الحقيقى لنصر عين جالوت، والذى دوخ التتار والصليبيين معا وهزمهم أشد الهزائم،

ومنهم عمر المختار الذى قاد الجهاد الليبي بأبسط الأسلحة ضد الاستعمار الإيطالي المدمج بالمدفعية والطائرات وسطر ببطولاته وجهاده صفحات خالدة ولقى الله شهيدا.

ومنهم مهاتما غاندي: الذى هزم الاستعمار الإنجليزي بالمقاومة السلمية.

سيمون بوليفار: تربى يتيما بعد وفاة والده ومصرع امه في حادث سقوط عربتها من الجبل , ساهم في تحرير الكثير من دول امريكا الجنوبية  , كولومبيا و فنزويلا و الأكوادور و بيرو و بوليفيا التي كانت تحت الحكم الإسباني ، وقد سميت دولة بوليفيا نسبة الى اسمه 

نيوتن: مكتشف الجاذبية الأرضية، وعلم التفاضل والتكامل، وغيرها من الاكتشافات.

نلسون مانديلا: ولد  في جنوب أفريقيا عام 1918م، وكان أبوه زعيمًا قبليًّا، وعندما بلغ السنة السابعة من عمره تُوفي والده، ولأول مرة في تاريخ جنوب إفريقيا، يفوز برئاستها "نلسون مانديلا"، الذي أصبح رمزًا وأسطورة يعرفها الملايين في أنحاء ، وكان أعظم حكام أفريقيا وأكثرهم عفوا ورحمة وزهدا في كراسي السلطة.

ومنهم جورج واشنطن: وهو  أول رئيس أمريكي وهو الذى وحد الولايات الأمريكية وجعلها دولة فيدرالية واحدة،

ومنهم إبراهام لينكولن الحاكم الفيلسوف الذى ما تزال حكمته في أذهان الأمريكيين والعالم حتى اليوم.

ستيفن جوبس: مؤسس وصاحب شركة أبل للكمبيوتر.

لقد تجاوز هؤلاء جميعا عقبات اليتم، وتساموا على كسرته، وارتفعوا على عتبات ذله وهوانه، وسمت نفوسهم على ضعف اليتم وانكساره، فهؤلاء جميعا عاشوا مع أوصياء وكفلاء رحماء ربوهم على الفضيلة وعلموهم معالى الأمور والترفع عن سفاسفها.

اليتيم الفيتنامي الذي أصبح وزيرًا للصحة الألمانية: فقد نشرت صحيفة "الاقتصادية" خبرًا عن اليتيم الفيتنامي الذي أصبح وزيرًا للصحة الألمانية، ولم يتجاوز عمرُه الخامسة والثلاثين عامًا؛ حيث عانى هذا اليتيم في مرحلة طفولته التشردَ والضَّياع، ونشأ في كنَف أسرة ألمانية تبنَّتْه، وبدأ يحقِّق خطوات النجاح إلى أن أصبح وزيرًا للصحة الألمانية.

كان يقول دائما: لا تيأسوا؛ فالضياع والألم يجعل منكم قادة وعظماء، إن تغلَّبْتم على أحزانكم، وواجهتم الصِّعابَ بالجِدِّ، والاجتهاد، والتوكل على الله.

 

ولكم أقول إخواني وأخواتي: إن تربية اليتيم تتطلب اتخاذ جميع الوسائل التي من شأنها إعداده إعدادا سليما، دينا وخلقا وصحة وتعليما، وأن يعامله كما يعامل أبناءه تماما، كما أن اليتيم يحتاج إلى برامج ترفيهية لشغل وقت فراغه، ولا يكون موضوع اليتيم مقتصرا على بعض الهدايا والاحتفال به يوما في العام.

 

واوجه كلامي لأمهات الايتام:

أيتها الأم، أنت حاضنةُ المبدعين والقادة والعلماء، والنبلاء، لولا العناية والاهتمام من الأمهات ما كان هؤلاء، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "نشأت يتيمًا وأنا بالشام، فجهَّزَتْني أمي للسفر إلى مكة لطلب العلم وأنا ابن عَشْر سنين".

وهذه أم أخرى، كيف كانت مع ولدها اليتيم؟

إنها أم سفيان الثوري رحمها الله، توفي أبوه وكان صغير السن، فنشأ يتيمًا لا أب له، قالت له أمه: أي بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، فانطلقت الأم تغزل صوفها، حتى أصبح سفيان عَلَمًا من أعلام المسلمين، إمامًا من أئمة الدِّين.

 

وفي الختام:

أيها اليتيم، إني أحبك في الله، وأوصيك وصيةَ المحب:

اجتهِدْ في دراستك وتعليمك؛ فلا بد من الاستعانة بالله، والأخذ بالأسباب، حتى تكونَ كهؤلاء الذين ذكرتُ؛ عالِمًا، قائدًا، مُعلمًا، مهندسًا، فبذلك تنفع أمتَك وشعبك وإخوانك.

ابني اليتيم ابنتي اليتيمة:

لا يكُنِ اليُتْمُ والعَوَزُ والحاجة والألم وفقدُ الأحبة حائلًا بينك وبين طموحاتك وأهدافك.

هؤلاء نماذج بسيطة لا تمثل سوى 1% من الأيتام الذين أناروا الدنيا بالعلم والفهم، ولم يكن اليتم عائقًا لهم عن النهوض، بل ربما كان دافعًا لهم.

أسأل اللهَ العظيم أن أراكم نخبة مجتمعكم تخدمون انفسكم وامهاتكم وأهلكم ومجتمعكم وأن تكونوا من السعداء في الدنيا والأخرة.

 

كلمة المدير العام:  محمد شندي الراوي

#عظماء_أيتام #جمعية_الشام
#يوم_اليتيم_في_العالم_الإسلامي